تماما كطريقة إدارة العم خليل رحمه الله لدكانه الصغير، تدير الحكومة أموالها، فهناك 520 مليون دينار طارت وهناك 400 مليون دينار هبطت في مطار خزينة الدولة، ولا أحد سأل كيف أو لماذا أو من أين خرجت أو دخلت تلك الأموال «المتلتلة»؟
العم خليل عندما سألته ذات مرة عن كيفية اختياره لنوعية البضاعة التي يعرضها في دكانه الصغير وكيفية تحديده لمكاسبه وخسارته قال: «خلها على الله كل شيء يأتي بالبركة فهناك بضاعة أخسر بها وهناك بضاعة أكسب من ورائها الكثير ومن هذا على ذاك أقوم بتضبيط وضعي»، وهذا هو مختصر طريقة العم خليل لإدارته لدكانه الصغير الواقع على أطراف الجهراء العامرة، ولولا أنني أعرف أن العم خليل توفي منذ 10 سنوات لقلت انه الآن يعمل في وزارة المالية كمستشار وخبير أول «بركة».
ولن أسأل عن كيفية طيران 520 مليون دينار من خزينة الدولة كمصاريف أغلبها غير مستحق لفواتير العلاج في الخارج على مدار ثلاث سنوات كون هذه القضية لاتزال في عهدة النيابة، ولكنني سأتناول اليوم كيفية هبوط الـ 400 مليون دينار من رحم «اللا شيء».
وقصة هذه الملايين الأربعمائة كما جاء على لسان وزير المالية مصطفى الشمالي كالتالي بحسب تصريحه لـ «الأنباء» منتصف يونيو الماضي: «لقد دخلنا بالمحفظة المالية إلى سوق الأوراق المالية بـ 400 مليون دينار والآن أصبح لدينا 800 مليون دينار أي اننا ربحنا 400 مليون دينار بنسبة ربح 100% في أقل من 6 أشهر»، الغريب في أمر هذه الملايين أن المحفظة أصلا ما أنشئت إلا لدعم استقرار سوق الأوراق المالية لا أن تلعب كمحفظة مضاربة، وتنافس صغار المضاربين في رزقهم وتنشف بعض الأسهم في حملات شرائها المدروسة أحيانا وغير المدروسة في أحيان كثيرة، ولكن البركة وحدها كان لها دور كبير في هذا الربح الكبير الذي حققته المحفظة، ولأول مرة في التاريخ بحسب قراءاتي المتواضعة تدخل حكومة بكبرها في محفظة مالية لتنافس المضاربين في سوق الأوراق المالية وتدخل معهم بل وضدهم أحيانا في المضاربة على أسهم، فماذا استفاد صغار المستثمرين أو بالأصح المضاربين؟ لا شيء سوى أنهم يئنون من وقع خسارة تلو الأخرى بمؤشر سوق يخضر يوما ويحمر عشرات الأيام، وخلالها تنتفخ جيوب محفظة الحكومة بالملايين التي لم تكن لتحقق «متليك» واحدا لولا خسارة آلاف المضاربين الصغار، فالمنطق يقول انه لا ربح في جهة إلا في ظل وجود خسارة لجهة أخرى، والجهة الرابحة هنا والوحيدة هي المحفظة الحكومية وأما الخاسر فهم المضاربون وصغار المستثمرين الباحثين عن 5 فلوس هناك للسهم و20 فلسا لسهم آخر هناك.
الحكومة وبدلا من أن تدخل هذه المحفظة كعامل استقرار للسوق كما كان مقررا لها يبدو أنها لعبت كمضارب من الوزن الثقيل وهو ما يثبته تصريح الوزير من تحقيقها لنسبة 100% في أقل من 6 أشهر.
بالطبع لم يكن هدف المحفظة المليارية كما سميت في بداية انطلاقتها الخسارة، ولكن أيضا لم يكن من ضمن مهامها أن تدخل كوحش مضارب في السوق وتنافس البسطاء وتكبدهم خسائر، فمن يلعب بـ 400 مليون ليس كمن يلعب بـ 20 ألف دينار، وإن كان وزير المالية لا يعي هذا الأمر فقولوا على السوق السلام بل اقرأوا على روحها الفاتحة.
[email protected]