ذعار الرشيدي
اليوم وعلى الرغم من الهوجة الإعلامية والتراشق الكلامي والاتهامات المتبادلة بين أعضاء تلك الكتلة وذلك التكتل وهذا التجمع وتهديد ذاك بفضح هذا، وعلان بفضح فلانة، واستجواب وحزمة أسئلة برلمانية وعشرون ألف ندوة وجولات مكوكية وغير مكوكية و«فرارة» نواب ووزراء وتصريحات، كله يعطي انطباعا جيدا بأن الكويت تعيش جوا صحيا من الحراك السياسي، ما يجعل أغلب الجيران وتحديدا مثقفي الجيران يحسدوننا على مشهدنا السياسي متعدد الألوان الشديد التفاعل مع أي متغير، فلو «عطس» وزير لقامت الدنيا لدينا ولم تقعد إلا بعد أن يحمد الله، ولو «تثاءب» قيادي لوجدت السياسيين استلوا ألف سيف منتظرين أن يستعيذ بالله من الشيطان و«ياويله ياسواد ليله» إن لم يفعل فقد هدر دمه ليضيع «هوموغلوبين» دمه بين الكتل السياسية المختلفة.
وهكذا هي الصورة الرئيسية لمشهدنا السياسي الرائع البديع فكل يوم لدينا مصيبة سياسية «والحمد لله على كل شيء»، ولكن لو دققنا في الأمر وبدأنا سبر أغوار الصورة في هذا المشهد وبدأنا بتفكيكها وتحليلها بعد أن نقف مع أنفسنا وقفة مصارحة لوجدنا أن صورتنا السياسية في الحقيقة أبعد ما تكون عن السياسة، لأن محركها الأصلي صراعات اقتصادية من تحت الطاولة، لا تسألوا من وكيف ولماذا؟ عليكم فقط أن تقتطعوا أي جزء من صورة مشهدنا السياسي لأي صراع دائر أو دار سابقا، كأن تلتقطوا قضية مثارة ضد وزير ما أو جهة حكومية، ما ستجدون أن المسألة لا تخلو من رائحة «دينار»، أو أن تكون شرارتها الأولى لابد أن تكون نتاج تصادم دينار بدينار آخر.
وحتى أكون دقيقا أكثر فالصراعات التي انطلقت منذ 3 أعوام تحديدا كلها سببها الدينار، ولكن وحتى يكون الأمر محبوكا جميلا رائعا ويتحول إلى مسلسل مقبول لدى عامة الجماهير لابد وأن يتحول الصراع إلى سياسي، رغم أنه بدأ من تحت الطاولة اقتصاديا بحتا، ولكنه ما ان يخرج فوق الطاولة إلى العلن حتى يتحول بقدرة قادر إلى صراع سياسي، وهذا يتهم هذا وألف قصة وقصة تروى عن المال العام المهدور وضياع خزائن المستقبل ومحافظنا المالية التي ستصرف للأجيال القادمة عام 2090 وأراضي الدولة وأملاكها، والصراعات الاقتصادية تتحول لدينا دائما إلى صراعات سياسية، وأحيانا طائفية وربما فئوية وفي أفضل الأحوال صراعات حكومة ومعارضة، في حين أن الأمر هو حكاية دينار كل يطالب بأحقية تملكه.
القصة قصة دينار، فلا سياسة ولا هم يحزنون، عموما محرك أي أزمة سياسية في العالم لابد أن يكون وراءها «قروش» ولكن لدينا كل صراع لابد وحتما وبكل ضرورة أن ينطلق من ورقة الدينار.
ولمن أراد التأكد فعليه أن يعيد قراءة كل صراع سياسي يراه بشيء من التمعن، ليجد الحقيقة الراسخة أن القضية هي قضية «ديناري أقوى من دينارك».