هل توقف الخليجيون عن كراهية بعضهم؟ أم أنهم لم يعودوا يجيدون فن كراهية بعضهم البعض كما في السابق؟ سؤالان خطرا في بالي وأنا أتابع مباريات كأس الخليج التاسعة عشرة المقامة في عمان، والتي حقق خلالها منتخبنا نقاطا ولا أقول نتائج لم يكن ليتوقعها أي فلكي في تنبؤاته للعام 2009.
كنت أحرص على أن أتابع كل ما يقال في الاستديوهات التحليلية المصاحبة للبطولة التي تبث على القنوات الحكومية وغير الحكومية في الكويت والمملكة العربية السعودية وقطر وعمان والبحرين والإمارات، ووجدت أن الجميع يتحدث عن الآخر بأدب جم وحرص شديد على أن يكون التحليل منصبا على الأخطاء الفنية بشكل احترافي دقيق بعيدا عن العاطفة ووجدت أن الجميع تخلوا عن حديث الأماني والعاطفة، وكأن الخليجيين قد توقفوا عن كراهية بعضهم البعض، وكانوا حتى وقت قريب لا يتورعون عن قول أي شيء للتعبير عن كراهية بعضهم البعض خاصة تحت مظلة الملهاة الكروية المسماة كأس الخليج.
غضب عارم وشتائم متبادلة وكأنهم يخوضون معركة نهاية الكون في كل كأس خليج في السابق، سلاحهم كرة تتقاذفها 44 قدما طوال 90 دقيقة وملايين يتابعون ويصرخون وقد علقوا آمال معركة كرامتهم بأربطة أحذية 22 لاعبا، كان ذلك كله يحدث في دورات كأس الخليج السابقة، كنا، وأنا من بين مجموعة، لا نتورع عن وصم الفريق الخصم وبلد الفريق الخصم بشتى أنواع الشتائم الممكنة وغير الممكنة، كنا مراهقين نشجع منتخبنا ولا لوم علينا، ولكن في السابق كان الإداريون وبعض مسؤولي الاتحادات لا يتورعون عن وصم الفريق الآخر بإدارييه وحكومته وشعبه بأقسى أنواع جمل النقد والاتهامات بالرشوة والتزييف وتغيير إرادة الحكم، وكأن المباراة كانت ستنتهي بالتنازل عن شبر من أرض هؤلاء أو أولئك، رغم أن القضية «لعب في لعب»، ولكن منذ دورات كأس خليجية ثلاث توقفت تلك النبرات، وفي عمان اختفت تماما إلا من حوادث قلة لا تشكل وزنا ولا قيمة.
كان الخليجيون في الدورات السابقة يمارسون أعلى أنواع درجات الكراهية خلال أسبوعين أو ثلاثة هي مدة الدورة، كانت عاطفتنا تحكمنا أكثر مما يحكمنا العقل والمنطق، وكنا نكبر أصغر الأمور ونكابر، ووصل بنا الأمر لأن نلقي اللوم في إحدى دورات الخليج على طائرة هيليكوبتر مرت من فوق الملعب عندما خسر منتخبنا أمام الإمارات الذي استحق الفوز يومها وقلنا ان الهيليكوبتر كانت جزءا من مؤامرة إماراتية رغم أن الطائرة مرت فوق رؤوسنا ورؤوس أشقائنا اللاعبين الإماراتيين ولكن عندما خسرنا «حطينا الحرة في الهيليكوبتر»، ومثل هذه الأمور فعلها جميع الأشقاء الخليجيين بطريقة أو بأخرى، حتى الحديث العام في الديوانيات والتجمعات الخليجية عندما يتحدثون عن فرق الخصم فهم لا يتحدثون عن منتخب ولعب وكرة قدم بل كانوا يتحدثون عن دولة عدوة يجب إعلان الحرب عليها فورا وبلا تردد بل إبادتها من على الخارطة إن أمكن.
هذه النبرة اختفت تماما، وكأن شيئا ما اقتلع جذور الكراهية الخليجية وزرع بدلا منها شجرة منطق وارفة أظلت المسؤولين قبل رجل الشارع العادي، فالكل اليوم يتحدث بمنطق، وهو ما ينبئ بعودتنا كخليجيين إلى العقل واننا قررنا أن نترك عاطفتنا على الرف، وفي هذا إشارة جيدة للمجتمعات الخليجية بأن شعوبها بدأت تعرف أن العاطفة وحدها لم تكن كافية لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، وان العاطفة وحدها لم تؤسس لقانون مشترك ولا إلى سوق موحدة مشتركة ولا توحيد تعرفة جمركية، ولكن العقل وحده والمنطق والتعامل مع الأمور وفق منظور عقلاني صرف هو ما سيؤسس لمفاهيم حقيقية تعيد تأسيس حقيقة وكيان مجلس التعاون الخليجي.
التعامل العقلاني هو ما سيظهر العملة الخليجية إلى الوجود، وهو ما سيعيد تشكيل الرؤى الأساسية التي تأسس عليها مجلس التعاون الخليجي.
نعم في خليجي 19 وجدت أن الأفراد العاديين نزعوا من قلوبهم الكراهية الموجودة التي لم يكن لوجودها سبب أصلا.
و تلك بشرى خير بأننا كخليجيين سننتقل من مرحلة الأغاني العاطفية بـ «خليجنا واحد وطريجنا واحد» إلى مرحلة المنطق والعقل والتطبيق العملي لشعارات عاطفية لم تفعل لنا شيئا كخليجيين سوى لافتة في المطار أمام الجوازات مكتوب عليها «لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي فقط».
رسالة:
أطرف ما وردني على بريدي الإلكتروني رسالة من قارئ يسألني فيها «هل سيحقق منتخبنا كأس الخليج؟» وأجيبه بالمثل الكويتي الشهير «لا قام حظك باع لك واشترى لك..........وجاب لك كاس العالم» ولكن أعتقد أن حظنا عاد إلى الكويت مع الطائرات الخمس التي عادت بعد مباراة العراق.