من يحاول أن يحكم على أي من الاستجوابات الأربعة اليوم بناء على ما ينشر في الصحف وما يتم تداوله في الدواويين وأحاديث الصالونات هو تماما كمن يحاول أن يحكم على فيلم من خلال مشاهدة ملخص العرض الدعائي للفيلم.
وأنا شخصيا ومنذ سنوات توقفت عن الحكم على الأفلام من خلال ملخصاتها الدعائية والتي تعرف باسم «movie trailer»، لأنه عندما تشاهد ملخصا لأي من الأفلام الأميركية والذي لا يتعدى مدته الدقيقة تخرج بحكم أن هذا الفيلم رائع وخطير ولكن غالبا عندما تشاهد الفيلم ستجد أنه ليس بأكثر من مقلب شربته بتصديقك للملخص الدعائي وهذا ما يحصل اليوم مع غالبية من يصدرون أحكامهم على الاستجوابات الأربعة الذين يصدقون الدعاية النيابية المصاحبة للاستجوابات والتي تعد بمشاهدة مذبحة على المنصة.
كثير ممن تحدثت معهم عن استجواب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك مثلا وجدت أن أيا منهم لم يقرأ كامل صحيفة الاستجواب بل لا يعرف تفاصيل المحاور واكتفى بقراءة الخطوط العريضة للصحيفة كما نشرت في الصحف، ورغم هذا وجدتهم يملكون قناعة كاملة بإدانة الوزير، وعندما سألتهم عن مصدر أحكامهم المسبقة خاصة أن الوزير المبارك حتى هذه اللحظة لم يقل سوى جملة واحدة مفادها قبوله بالدستور واستعداده الكامل لصعود المنصة، أجابوني أن هذا هو ما استشفوه من خلال قراءتهم لمانشيتات الصحف الصادرة وبعض العناوين الجانبية الأخرى التي تناولت الاستجواب، والمأساة الكبرى هو أن من بين من تحدثت معهم كُتابا كانوا قد تناولوا بعض الاستجوابات بالتعليق، ولم أسمع بحياتي كلها عن معلق علق على مباراة لم يشاهدها.
وليس من حق أحد التعليق على أي من الاستجوابات الأربعة ما لم يقرأ المحاور كاملة التي وردت في صحائف الاستجوابات، وليس من حق أحد إصدار حكم نهائي بإدانة أي من الوزراء قبل أن تنتهي وقائع جلسة الاستجواب ويستمع للطرفين، فبعض محاور الاستجوابات جاءت ناقصة في معلوماتها وبعض تلك المحاور اتخذت فيها إجراءات من قبل الوزراء لم يذكرها النواب المستجوبون وهو ما سنعرفه في جلسات الاستجوابات الأربعة، كما حصل في استجواب الجراح وكما حصل في استجواب الشيخ أحمد العبدالله وكما حصل في قضية هاليبيرتون التي أقامت الدنيا ولم تقعدها وفي النهاية حفظت القضية بأكملها لعدم جدية البلاغ.
دعونا لا نصدر أحكاما معلبة مسبقة على الوزراء المستجوبين قبل أن نعرف كامل الحقيقة والتي هي هدف الجميع على ما أعتقد وأنا هنا أحسن الظن بالنواب المستجوبين قبل أن أحسن الظن بالوزراء.
والأهم هو أنه وكما أنه من حق أي نائب استجواب أي وزير فمن حق الحكومة أن تلجأ للطرق الدستورية، فالإحالة إلى المحكمة الدستورية حق وطلب التأجيل أو الإحالة إلى التشريعية أو إحالة الجلسة إلى سرية حق أيضا ولا يمكن أن يحجر على الحكومة من قبل أي شخص، كما أن من حق الحكومة أيضا «دستوريا» أن ترفع كتاب عدم تعاون، أما أن يخرج شخص ليقوم بدور المعلق على مباراة «ماشفهاش» فتلك أبرز كوارث مشهدنا السياسي.
كلمة أخيرة:
نعم ونعم وألف نعم أختلف مع الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم في كثير مما يكتب وفي أسلوبه وطرحه وتوجهاته ونهجه بشكل عام، ولكن أرفض تماما أن يتم اعتقاله بسبب رأي، لا هو أو غيره، فاعتقاله بهذه الطريقة هو تعد على سقف الحرية في الكويت وليس على الجاسم فقط، المبدأ والمنطق البسيط يرفض اعتقال الجاسم، قد لا أؤيده بما قاله ولكنني حتما أؤيد حرية الرأي والتعبير.
[email protected]