لك ان تتخيل عندما يكون القانون أقسى من الواقع المعيش البسيط، وعندما تكون الإجراءات القانونية ـ مع استحقاقها ـ أكثر رهبة من الفعل الذي أدى بك كـ«متهم» الى ان تدخل ردهات التحقيقات ومن ثم النيابة وبعدها المحاكمة.
***
هنا لا اتحدث عنا نحن الصحافيين فنحن تعودنا على الرحلات المكوكية بين اروقة التحقيقات لشكوى هنا وشكوى هناك لمن له حق او لمن يعتقد ان له حقا وان ذلك الخبر او تلك الفقرة في المقالة آذته او سببت له أرقا استحق معه ان «يجرجر» الصحافي بين غرف التحقيقات.
***
الحقيقة انني اتحدث عن خلل حدث بعد تطبيق «الجرائم الالكترونية»، نعم القانون له حسنات في وقف سيل الشتائم، ولكنه على الجانب الاخر خلق سيلا من الشكاوى المبررة وغير المبررة من أشخاص عاديين او مشاهير ضد أشخاص اقل من العاديين ومن بينهم مراهقين لم تتجاوز أعمارهم الـ١٣ فقط لانه علق على تغريدة لذلك المشهور باندفاع، حتى ان هذه الشكاوى كما قلت المبررة احيانا وغير المبررة غالبا خلقت سوقا قانونية على غرار احداث فيلم «ضد الحكومة» للراحل احمد زكي.
***
أطفال مع أولياء امورهم في اروقة تحقيقات الجرائم الالكترونية لان ابنه او ابنته التي لم يتجاوز الـ ١٣ علق على سناب مشهور بجملة «روح اقلب وجهك» او ما هو اقسى منها، وللأمانة الإجراءات في ادارة الجرائم الالكترونية راقية جدا ويتعاملون بتفهم مع تلك الحالات، وبدأوا يعون ان شكاوى المغردين ضد بعضهم اغلبها أخذ طابع التكسب التجاري، وأصبحت كما قلت هناك سوق للشتائم الالكترونية، ومن بعض الخدع ان يضع مغرد ما تغريدة مثيرة للجدل حول اي امر ثم يتوافد المعلقون عليها بالنقد او حتى الشتم، ويبدأ المغرد في جمع وتصوير التغريدات التي اساءت اليه ويبدأ برفع القضايا ضد كل من علق.
***
هذه الان ظاهرة، ويجب ان يعاد بحث الإجراءات في مثل تلك القضايا التي اصبح من الواضح ان اغلبها تكسب من الشتم في وسائل التواصل الاجتماعي، ومبدأ هذه التجارة الرخيصة «المربحة» سهل كما ذكرت: اكتب تغريدة او سنابة او بوستا مثيرا للجدل وانتظر الردود الغاضبة التي تحمل شتائم ضدك واجمعها ومن ثم قم برفع سلسلة من القضايا، وللأمانة هناك انتباه قانوني سواء في التحقيقات لهذه الظاهرة، ولكن يجب ان يعاد النظر في القانون مرة اخرى، فهو لم يخلق حالة من خنق الحريات بل خلق سوقا للمتكسبين من الشتائم الإلكترونية.
***
السوق التي اتحدث عنها ظاهرة لا يبدو ان احدا يتحدث عنها ولكن ومما اعرفه ان الموكل اليهم بفتح النقاش العلني لمثل هذه الظاهرة هم الإخوة الأعزاء في جمعية المحامين، والذين أتمنى ان يقوموا بتبني هذه القضية/ الظاهرة والبدء بعقد حلقات نقاشية او رسائل توعوية او تحرك لتغيير بعض إجراءات قانون الجرائم الالكترونية، وهنا لا أعلمهم فهم اساتذة في هذا المجال ويعون جيدا ما ذكرته، واعتقد انهم لن يترددوا في فتح هذا الباب.
***
وزارة الداخلية أيضا من جهتها كونها المعنية بتطبيق قانون جرائم النشر عليها ان تستمر في تكثيف حملاتها التوعوية للجمهور عن مخاطر وجود مثل هذه السوق التي قد تؤدي بأبنائهم الصغار الى المساءلة القانونية.
[email protected]