يقول والدي، أطال الله في عمره، ويردد دائما: «كل ما هو ليس لله... رياء»، والمراؤون السياسيون في البلد خاصة ممن ركب عربات الدرجة الثالثة من قطار المعارضة في فترة سابقة الآن يتحولون الى مقصورة الدرجة الاولى للقطار المضاد، ليس واحد ولا اثنان ولا عشرة بل كان التحول لبعضهم أشبه بجملة علاء ولي الدين في فيلم الناظر عندما كان يقول: «لف وارجع تاني»!
***
طبعا حتى يكون الأمر أكثر إنصافا في العرض، فالقطاران كلاهما لم يكن يسير على سكة مصلحة البلد بشكل صحيح كامل، في الأول أخطاء ونبه لها الكثير وفي الثاني كذلك أخطاء، واتفق الجميع في الاتجاهين المتضادين بالتركيز على الأخطاء فكانت الصدامات المتواصلة، رغم أن الاتجاهين المتصارعين المتضادين لو دخلا الأرضية المشتركة على ما يتفقان عليه لوجدا ووجدنا معهما ارضية مشتركة للتفاهم، ولوفرا علينا وعلى البلد سنوات من الصراع الذي انتهى أو أنه ينتهي إلى غير ذي طائل.
***
وأوجه الصراعات لدينا متعددة، وفي كلا المعسكرين هناك إيجابيات كما أسلفت كما أن هناك سلبيات، ولكن جماهير المعسكرين ركزوا على السلبيات فكان النتاج ان أصبحنا جميعا في حالة جمود، و«اللي نقوله نعيده» وقد وقع ضحايا ولا شك نتيجة هذا الصراع المستمر، والذي لو كان هناك اتفاق بين الأطراف المتصارعة على الأشياء الإيجابية المشتركة لما كنا اليوم نبحث عما نبحث عنه من مصالحة سياسية وعفو وإعادة جناسي، بل لما كنا نتحدث عن إصلاح سياسي، ما قلناه بالأمس عن دعوة الجميع لخوض غمار الانتخابات بعد تحصينها دستوريا هو ما يدعو اليه الجميع اليوم وهذا هو منطلق الحق الذي كان يجب على الجميع اتباعه.
***
تغيرت المفاهيم وتبدلت المعطيات واختلفت الظروف فاختلفت المواقف ولا بأس في ذلك، وتبدلت كذلك لغة الخطاب من المتطرف القاسي الى المتوازن اللين، ولا بأس في ذلك أيضا، وهذا يعني ان هناك قاعدة عريضة تتوسع من اجل إيجاد باب لانفراجة سياسية كاملة من قبل كل الأطراف، وقد لا تكون او لا تتحقق بالسرعة التي نطمح اليها ولكنها الآن، ومع تغير بعض اللاعبين الرئيسيين يعني أن المشهد السياسي سيكون اكثر هدوءا، على الاقل ما بعد الشهر الأول من دور الانعقاد المقبل.
***
المفترض الآن على كل اللاعبين السياسيين الرئيسيين العمل على تقارب وجهات النظر في دائرة المتفق عليه، وهي المصلحة العليا للبلد في ظل الظروف المتلاطمة والمتغيرة والمتسارعة في المنطقة، ويجب الانتباه الى ان الظروف الإقليمية ليست خدعة حكومية تروج من أجل إسكات المعارضة كما يروج البعض من رافضي فكرة وجود خطر إقليمي محتمل، بل ان الوضع الإقليمي اليوم لا يحتمل العبث السياسي، ويجب على كل القوى الموالية والمعارضة أن تبحث عن ارضية مشتركة للتوصل الى حل، طبعا هذا لا يعني ان نسكت عن الفساد، ولكن هذا لا يعني أن نحمل الأمور السياسية ما لا تحتمل لخلق صراع يجب ان يتوقف بين الأقطاب.
***
الوضع وكما ذكرت في مقال سابق «لا يحتمل الغشمرة» لأنه لا يحتمل أي نوع من أنواع المزح السياسي من أي طرف كان معارضا او حكوميا، ويجب ان يتم التوصل الى حل سياسي شامل، بما في ذلك المصالحة السياسية الكاملة التي من اهم معطياتها العفو السياسي وإعادة الأمور إلى نقطة ما قبل العام ٢٠١٢، وهو أمر ممكن بل انه سهل للغاية وهو ما يعني إعادة الأمور إلى المربع الصحيح الأول.
[email protected]