الذي يتحدث عن رفع منع الاختلاط في الجامعات اليوم وخطورته وضرره وأثره السيئ في المجتمع، هو تماما كالذي يتحدث عن ضرورة فرض الرقابة على الكتب في زمن الإنترنت والفضاء المفتوح، كلا الأمرين لا يمكن تطبيقهما بالمعنى الحرفي القديم، فلا توجد آلية إدارية أو هندسية بنائية أو أكاديمية تؤدي بشكل عملي الى الفصل بين الجنسين في جامعة مشتركة.
***
بعد التصويت على تعديل قانون الجامعات الحكومية والذي بموجبه يلغى ما يعرف باسم «منع الاختلاط» الذي أقر بقانون في العام ١٩٩٦، ظهرت أصوات تطالب برفض التعديل الذي أقره المجلس أول من أمس يدعي المعترضون على التعديل كيف أن الأمر سيكون له أثره الخطير على المجتمع وبعضهم يدعي بالويل والثبور على من صوت ضد منع الاختلاط.
***
الحقيقة أنه وبعد مرور ٢٣ عاما على سن قانون «منع الاختلاط» لم يكن هناك منع اختلاط حقيقي على أرض الواقع في الجامعة، بل مجرد منع التعليم المشترك بين الجنسين في الفصول والشعب والكافتيريات، أما الحرم الجامعي وباقي المنشآت إداريا فكانت مشتركة، ففي حقيقة الأمر أنه لم يكن بأكثر من منع اختلاط جزئي وليس منع اختلاط بالمعنى الشامل الحقيقي، وذلك أولا لاستحالة تطبيقه كما جاء به القانون على جامعة الكويت، الأهم لو كان دعاة منع الاختلاط جادين في دعوتهم لكان القانون بفرض بناء جامعات للبنات مستقلة وليست جامعة مشتركة يطبق فيها الفصل، وهنا يكون منع الاختلاط الحقيقي العملي، أما عدا ذلك فمتاجرة سياسية وضحك على الذقون، والدليل أن جامعة الكويت حتى ٢٠١٦ تعترف بأنها لم تتمكن من تطبيق منع الاختلاط سوى فيما نسبته ٨٠% في الشُعب والمختبرات.
***
عودة بالزمن الى الوراء، نذكر جيدا أن قانون «منع الاختلاط» كان قضية القضايا وانه لم يكن ليمر لولا حشد الإسلاميين والمحافظين الذين شكلوا تحالفا في هذا القانون بالذات ليمر القانون بالتصويت، والذي معه خرجت حملة إعلامية في ذلك الوقت بأن من يرفض «منع الاختلاط» هو شخص معادٍ للقيم الإسلامية ورافض للعادات والتقاليد.
و«منع الاختلاط» يومها في حقيقة الأمر لم يكن سوى معركة نيابية- نيابية بين تيارات سياسية كل منها مدعوم من قوى نافذة، وكل من تلك القوى والتيارات تحاول إثبات علو كعبها من أجل مد نفوذها على الخارطة السياسية وكان «قانون منع الاختلاط» مجرد ساحة معركة لا أكثر، وبمرور الوقت بعد إقرار القانون، أثبت أن الأمر لم يكن له علاقة بإعلاء راية الإسلام ولا الحفاظ على العادات والتقاليد وحتما لم يكن له علاقة بتعزيز الأخلاق، الأمر كان صراعا سياسيا من أوله إلى أوسطه حتى آخره.
***
«منع الاختلاط» معركة سياسية لا أكثر ولا أقل، وبغض النظر عن رؤيتك ورأيك لا بد أن تعترف بأن هذه المعركة ليست معركة إصلاح بل معركة تيارات سياسية، وعليك أن تقرأ الموضوع كاملا وألا تكون «شقراء» مع «خيل السياسة».
[email protected]