لقبيلة الظفير ان تفخر في ان رجالها كانوا اول من ابتكر طريقة «حماية الأشخاص» قبل ان يبتكر الأميركان «برنامج حماية الشهود» بمئات السنين.
***
ومن المعروف والمعلوم في شأن الأعراف القبلية تاريخيا ان قبيلة الظفير تمتلك لوحدها منفردة وبهذه الطريقة أسلوب حماية من يلجأ إليها ليس فقط في ادخاله وحمايته وإجارته بل اضافت على الأعراف القبلية الإدخال وقبول الحماية للمستجير بهم، بل وكذلك منحه هوية جديدة بحيث يستحيل كشف هويته لأي شخص يطلبه ويختفي تماما، وتصل درجة حمايتهم للمستجير بهم إلى انه يولد شخصا من جديد بهوية جديدة واسم جديد وحياة جديدة يعيشها بينهم مكرما معززا، وهذا مشابه تماما لبرنامج حماية الشهود الذي ابتكره مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي وطبقه منذ عام ١٩٧٦، ولكن قبيلة الظفير أسست لهذا النوع من الحماية للمستجيرين بأي من أفرادها قبل هذا التاريخ بأكثر من ٢٠٠ عام، بل وظل هذا النظام القبلي جزءا من فخر قبيلتهم من بين اجزاء أخرى يحق لهم الفخر بها.
وكان نظام الحماية القبلية لمن يستجير بالظفير رهنا بالأحاديث المرسلة رغم توثيقه بين الناس مشافهة، وظلت القبيلة العريقة تعرف بهذا النظام في الجزيرة العربية وتشتهر به وتنسج حوله حكايات تروى أشبه بالأساطير رغم أنها حقيقية، حتى جاء العام ٢٠٠٣ ليتم الكشف عن أشهر شخص طبقت عليه قبيلة الظفير برنامجها الخاص بحماية المستجيرين بها لشخص لجأ اليهم قبل ٤٠ عاما، وأجاره احد أفراد القبيلة وتحديدا من فخذ الجواسم ولم يكتف بإجارته بل منحه اسما جديدا مقاربا من اسمه ومنحه وضعا اجتماعيا وعملا أيضا وعاش بين الجواسم لأكثر من أربعين عاما تحت اسم مختلف وهوية مغايرة ليصبح تراتبيا جزءا من المنظومة العائلية شكليا وعاش بأمن وأمان طوال تلك الفترة حتى قام بحل مشكلته وعاد لذويه بعد ان كشف عن هويته الحقيقية في حفل كبير شهده أعيان الظفير وأعيان قبيلته وأبناء عمومته.
***
وقد تناولت قصة الكشف عن هوية المستجير الذي ذكرته، وهو بالمناسبة رشيدي، قناة الجزيرة وصحف سعودية وكويتية بل ونقلت حفل عودته إلى أهله بعد أن تم حل الإشكال الذي بسببه لجأ إلى الجواسم، وكنت شخصيا شاهدا عليها وأعرف المستجير ومن أجاره، وليس هنا باب لتناول قصة موثقة اعلاميا في اكثر من منبر اعلامي معتبر.
***
بالمناسبة قبيلة الظفير لديها اشتراطات صارمة بخصوص قبول استجارة اي شخص بها، فمن الاشتراطات ان يكون طلب الاستجارة بسبب خشية على حياته او ان يكون ارتكب فعلته التي هرب بسببها بسبب خطأ غير مقصود، والا يكون طالب الاستجارة غدارا او قاتلا بالعمد او معتديا.
***
وظلت قبيلة الظفير تحتفظ بهذا العرف الحميد لعشرات السنوات من بين أعراف وأمجاد أخرى تمتاز بها وتعرف بها أيضا، ولم تكابر به او أي من أفرادها لا المتأخرون ولا المتقدمون منهم به على أي ممن لجأ لهم، بل كانوا يرون انه جزء من واجبهم الإنساني في توفير الحماية لمن يطلبها منهم ويتحملون تبعاته كاملة أيا كانت تلك التبعات، بل انه من باب البحث البسيط عن تاريخ هذه العادة الحميدة وجدت انها كانت سببا لاحقا في حقن الدماء وعصمتها بل وإعادة المستجيرين الى قبائلهم في نوع من اعادة وصل ما قطع من صلة ذي القربى بين اللاجئ الى قبيلة الظفير وبين قبيلته التي جلا منها.
***
توضيح الواضح: «قاصرت» الظفير و«خاويتهم» طوال عمري بحكم الجيرة والسكن والصداقات ولم أجد منهم أو عنهم إلا بياض الوجه، وليس فيما قلته مديح لجيران أو أصدقاء عمر بل حقيقة تاريخية ومبعث فخر لهم يجب أن تذكر عنهم وبهم ولهم.. وهم يستحقون ذلك ولو من باب الإنصاف التاريخي.
[email protected]