صدق أو لا تصدق، لدينا هنا في الكويت يمكنك ان تعمل 30 سنة في وظيفة واحدة، لكنك لا تعمل فعليا وعلميا و«بصمتيا» سوى أقل من عامين فعليين، بينما الـ 28 عاما المتبقية هي حصيلة أيام توزيع أيام العمل بينك وبين زملائك.
لنحسبها ببساطة، هذه النوعية من الوظائف الحكومية غير الخاضعة للرقابة تكون عادة في الاقسام التي تتطلب دوامات «الزامات» الإدارية بنظام «الشفتات»، بحيث يكون هناك في بعض الوزارات قسم فيه عدد كبير من الموظفين الذين تم تكديسهم على مدار سنوات حتى اصبح عددهم أكبر مما يستوعب المكان المخصص لهم من مكاتب، ومعها تبدأ عملية توزيع العمل بحيث يكون العمل يوما في الاسبوع او يومين واحيانا 4 أيام بالشهر، أي ان الموظف يداوم أقل من 10%مما هو مطلوب منه فعليا، وهذه الظاهرة منتشرة في أكثر من وزارة وهيئة وقطاع في الدولة خاصة تلك التي تعاني تكدسات في أعداد الموظفين.
وبعض أولئك الموظفين لا يحضر الا أول كل شهر، طبعا البصمة ـ قبل إلغائها مؤخرا ـ كانت قد سيطرت على جزء من هذه الظاهرة، لكن مع إلغاء البصمة للظروف الصحية الأخيرة عادت حالة الفلتان، فلا يعمل السيد الموظف السعيد سوى يوم واحد في الشهر، ولو حسبناها على مدار خدمته المتوقعة 30 عاما قبل تقاعده فإن مجموع الايام التي عملها لا يمكن ان يتجاوز 700 يوم عمل، أي أقل من عامين، تخيل أنه مسجل كموظف لمدة ثلاثين عاما لا يحلل فيهم سوى 700 يوم تقريبا، ولو حسبنا العطل والاعياد لأصبح الرقم اقل من 600 يوم، أوليس بهذا يصبح أسعد موظف في العالم كله، 30 عاما مقابل عامين أيام عمل فعلية؟ وهذا الموظف السعيد لا يعرف من مبنى مقر عمله سوى مكان جهاز البصمة ومكتب المدير أو المراقب!
ومسألة حرمة ما يتقاضاه من رواتب ليست بحاجة إلى مفتين ليبلغوك بحرمتها، ولست بحاجة لأن يبلغك المفتون بأن الخلل أولا وآخرا يقع على الادارات والقطاعات التي يعين فيها أولئك الموظفون، بل الخلل الأكبر والمسؤولية المباشرة تقع على الوزير المعني بتلك القطاعات والذي سمح لمئات الموظفين في وزارته وفي قطاعات من وزاراته بأن يكونوا مجرد بطالة مقنعة فلا إنجاز ولا عمل ولا تجريم ولا تحريم.
هؤلاء الموظفون لو تمت إعادة هيكلية توزيعهم على حاجات الإدارات الفعلية للعمل لتغير سير العمل فيها الى الأفضل، ولحققوا إنجازا بل انجازات، أما 300 موظف او 200 موظف في قطاع هيكليته لا تحتمل 4 مكاتب، ثم تطالب بتحسين الأداء الوزاري للوزارات، فأنت «تقص» علينا!
اعتقد أنه من المناسب على كل وزير أن يشكل جهة رقابية لحصر أعداد الموظفين المتكدسين في الإدارات المنسية ومن ثم إعادة توزيعهم من أجل المصلحة العامة. لأنه.. «مو معقولة 30 سنة عمل وما يداوم منهم الا اقل من سنتين، والله لا صارت في علم الإدارة الحديثة ولا علم الإدارة الحلمنتيشية ولا حتى في لعبة بنك السعادة».
المصيبة أن من ينظر على مخك حول وجوب محاربة الفساد هو ذاته الموظف السعيد الذي «ما يداوم» 28 سنة ويعلمك عن مبادئ وأساسيات إصلاح الخلل المالي في البلد، وهو الذي لو حلل معاشه مع زملائه الموظفين السعداء ممن هم على شاكلته لحلوا لنا أزمة إدارية تعاني منها وزاراتهم وحلوا مشاكل المواعيد والترتيبات الإدارية وخلقوا انسيابية في العمل، لكنهم لا يعملون ولا يريدون أن يعملوا ولا أن ينجزوا أو يحققوا شيئا، تجده في آخر النهار في الديوانية يتحدث عن الفساد المستشري بل ويشرح الآليات المناسبة لمكافحته!
[email protected]