عندما كان يتحدث المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب في خطابه العنصري أمام العالم، بدا المشهد لنا كما لو أن «الفوهرر هتلر» قد بعث من جديد ونراه وهو يعد الألمان بأن تكون أوروبا حديقة «الجرمان» التي سيملأونها بمائة مليون ألماني، مع طرد كل من سواهم، لقد كانت خطيئة العالم أن ترك لهتلر الحرية في أن يكبد بلده والبشرية خسائر في الأرواح بالملايين ودمارا لا يوصف، فهل يكرر التاريخ نفسه بأمثال هتلر؟
لم تكن العنصرية الفجة التي بصق بها ترامب على أميركا والعالم كله وبقايا الإنسانية سوى إفرازات طبيعية لسياسات ممنهجة قائمة على نظرية «من ليس معنا فهو عدونا» كما قال رئيس أميركي سابق والذي قال أيضا: إنها حرب صليبية! في هفوة لسان أخرجت المكنون. في أوروبا عقب كل حادثة إرهابية يوجه ساسة الغرب وإعلامهم سهامهم نحو متهم واحد أوحد هو الإسلام والمسلمون لتظهر العنصرية بأبشع صورها وتسقط الأقنعة الزائفة التي أشبعت العالم بالحديث عن حقوق الإنسان وحرية الشعوب وجمعيات حماية القطط!
وحسنا فعل كل العقلاء شرقا وغربا وبمختلف الألسنة والديانات والثقافات بإجماعهم على أن ما تلفظ به العنصري ترامب لوسائل الإعلام عن ضرورة إغلاق حدود أميركا دون المسلمين هو عنصرية مرفوضة، وهذا أمر محمود وواجب البشرية كلها ألا تنساق خلف أصوات نازية لا تحترم إنسانية.
لكن لماذا أتت الانتقادات المنددة لترهات ترامب، الفوهرر المنتظر، من البيت الأبيض، رغم أن الغرب يدرك أن سبب تلك الخطيئة هو أنهم عندما أعلنوا الحرب على الإرهاب جعلوا فوهة مدافعهم وإعلامهم موجهة على الدوام إلى الشرق الأوسط والمسلمين وفقط؟ لكنهم تناسوا الإرهاب الحاصل والحاصد لشعوب مثل مسلمي بورما وماينمار ومجزرة الحضارات بسورية والعراق، والذي غض الجميع الطرف عنه اعتقادا منهم أن هذه المنطقة لا تستحق سوى أن تعيش في دوامة الاضطرابات والتخلف واللاديموقراطية وأن شعوبها لا مكان لها بين الحضارات رغم أن هذه المنطقة هي أم الحضارات.
إن الغرب ومعه أميركا يتعاملون مع الشرق الأوسط بمنطق صراع الحضارات بشكل بائس يفتقر إلى أدنى درجات الذكاء والوعي حتى بمصالحهم، إنهم يبيحون المحظورات لمصالحهم العليا، إلا أن المحظور ليس دائما هو الخيار المناسب حتى للمصالح، وثبت أنه لا أحد بمأمن عن النيران التي تستعر في الشرق الأوسط، فدول هذه المنطقة لن تتحمل وحدها تبعة تخبط وانتهازية السياسة الدولية التي تنتقد نازية مرشح وتصمت على جرائم حرب ترتكب بحق شعوب وحضارات نفس المنطقة المتهمة بأنها مفرخة للإرهاب!
إن التاريخ أثبت للغرب وأميركا فشل نظريتهم القائمة على التعامل مع الآخر كثانوي أو عدو يفترض إبقاؤه مشغولا بجروحه، وأكبر دليل على ذلك الحرب العالمية الثانية التي لم تكن لتحدث لو لم يتعامل المنتصرون في الحرب العالمية الاولى مع ألمانيا كمهزوم ذليل، لتتغذى العدوانية المتفاقمة بألمانيا الجريحة وينتفض النازيون بزعامة هتلر ويرتكبوا بحق بلدهم والعالم كله كارثة كبيرة راح ضحيتها الملايين من الأبرياء.
والحقيقة الصادمة أنه ما لم يراجع اللاعبون الكبار سياساتهم المجحفة بحق المنطقة وشعوبها فإننا لن نفاجأ أبدا بتناسل دواعش جدد.. أو أن يصبح الدموي ترامب سيد البيت الأبيض والفوهرر الجديد.. وليتجرع وقتها العالم كله مرارة وندما لن ينفعه آنذاك.. إنها صرخة لبقايا إنسانية.
٭ آخر الكلام: محزن جدا أننا لا نجد أي رد فعل عربي أو إسلامي رسمي على ما طرحه الأميركي العنصري ترامب الذي يمكن أن يكون يوما رئيسا لأميركا يجلس معه رئيس عربي مسلم!
[email protected]