مر التعليم بمراحل تطورية عديدة اختلفت جذريا بين حد فاصل هو معرفة الكتابة وتطورها المذهل الذي سار بالمجتمعات توازيا نحو التنافس الشديد في اكتساب مختلف العلوم والمعارف طلبا لنهضة الأوطان وترقية البشر أيضا لتكون هناك لغة مشتركة خيرية تنفع البشر والحجر.
وبعدما وصل التعليم إلى المدرسة ذلك الصرح العظيم، جاء الأديب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو بنظرية جديدة تتحدث عن تعليم بلا مدارس، حيث دعا إلى إغلاق المدارس التلقينية والعودة إلى التفكير الفطري الطبيعي الذي قاد البشرية قرونا عدة نحو التقدم والازدهار. أيضا كان للكاتب إيفان إيليش دعوة مماثلة من خلال مؤلفه الشهير «مجتمع بلا مدارس» والذي دعا فيه إلى ضرورة تخليص المجتمعات البشرية من المدارس لأسباب عديدة، من أهمها تلك التأثيرات السلبية للمدارس التقليدية التلقينية التي من وجهة نظره تحد من قدرات الفرد وإمكاناته الإبداعية، كما يرى إيليش أن بعض النابغين في التعليم لم يكن نبوغهم وإبداعهم بسبب المدارس بل لأنهم مبدعون بالأساس.
المؤيدون لتلك النظرية يقولون إن الطالب يمكث 6 أو 7 ساعات في المدرسة، لكنه يجلس على نافذة الإعلام المفتوح وقنوات التواصل المتنوعة أضعاف ما يكون في مدرسته، كما أن كم وحجم المعلومات التي يستقبلها ويحفظها ويمارسها أكثر إثارة وتشويقا لمشاعره وعواطفه وأهوائه، وأحيانا حاجاته.. كما أنه ينصت ويستوعب أعمق للمؤثرات من غير المعلم غالبا، في حين يرهق الطالب في التعليم المدرسي بالكثير من الواجبات والدروس وينفق الساعات والسنين ليخرج متخصصا في مجال واحد وينسى كل ما أنهكه من معلومات أخرى بمختلف فروعها، ويشيرون إلى أن ذلك لا يصب إلا في خانة تضييع عمر الإنسان وإفقاده كثيرا من قوة ذاكرته وتشتيت تلك الذاكرة التي يجب ملؤها بما يفيدها حاضرا ومستقبلا..
لست من الرافضين لهذه النظرية بالكلية ولا من منتقديها إن كان فيها أثر إيجابي لمجتمعاتنا، فكل شيء يمكن أن يمثل إضافة جيدة لمجتمعاتنا ونظامنا التعليمي المهلهل أنا معه وأعضده.. والتجربة أكثر شيء يفيد المجتمعات التي تريد لنفسها خيرا بالعلم والعمل.. وليس رفع الشعار البغيض والمدمر «ليس في الإمكان أبدع مما كان» والذي بسببه وصلنا إلى «خبر كان».
وفي الشعر حكمة:
يقول الشاعر محمود سامي البارودي في رائعته «بقوة العلم تقوى شوكة الأمم»:
فاستيقظوا يا بني الأوطان وانتصبوا
للعلم فهو مدار العدل في الأمم
ولا تظنوا نماء المال وانتسبوا
فالعلم أفضل ما يحويه ذو نسم
فرب ذي ثروة بالجهل محتقر
ورب ذي خلة بالعلم محترم
حفظ الله أوطاننا وشعوبنا من كل مكروه وسوء.