يعتبر ملف العلاقات المصرية ـ الإيرانية أحد الملفات المهمة والحاسمة في تحديد مسار ووجهة السياسة الخارجية الجديدة لمصر ما بعد الثورة، فلطالما كانت هناك محاولات حثيثة لإعادة هذه العلاقات طوال السنوات الماضية، ولعل أشهرها اللقاء الذي تم بين الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عام 2003 والذي قرر فيه الرئيسان اعادة العلاقات كاملة بين البلدين، ولكن يبدو ان هناك شياطين صغيرة تكمن في التفاصيل وتلعب في الخفاء اضافة الى الشيطان الأكبر الذي لا يرغب اصلا في عودة تلك العلاقات الى طبيعتها بين البلدين الكبيرين، ويأتي هذا الحراك المتسارع مع قيام وفد شعبي مصري يضم عشرات الشخصيات المصرية من سياسيين وإعلاميين ومثقفين وشيوخ من الأزهر وأقباط مصريين وعددا من الناشطين بزيارة الى العاصمة الايرانية طهران يلتقي فيها عددا من كبار المسؤولين الايرانيين.
ويعد هذا الوفد اول وفد شعبي مصري يزور طهران بعد الثورة المصرية، حيث يرى وعلى مستوى واسع ومن قبل نخبة من المثقفين والساسة المصريين ان لمصر كامل الحق في تحديد خياراتها وتوسعة مجال علاقاتها الخارجية وبما يحقق مصالحها القومية بعيدا عن سياسات الإملاء والوصاية، ولا يخفي المفكر المصري المعروف فهمي هويدي مثلا استغرابه كيف «ان الدول الخليجية التي تحفّظ بعضها على الموقف المصري الأخير، تقيم كلها علاقات ديبلوماسية طبيعية مع إيران، وهي تعد سوقا رئيسية للبضائع والاستثمارات الإيرانية، وفي كل واحدة من تلك الدول سفير إيراني معتمد، بل في السعودية سفيران أحدهما يمثل الجمهورية الإسلامية لدى المملكة في الرياض، والثاني يمثلها لدى منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة»، ويضيف فهمي هويدي: «اننا لا نستطيع أن نتجاهل أن حجم المنافع والمصالح التي ضاعت على مصر وإيران بسبب القطيعة بينهما هي بلا حدود، وان آفاق التعاون الاقتصادي والسياحي بينهما هي أيضا بلا حدود».
من هنا فإن عودة العلاقات بين البلدين ستكون حتما لمصلحة الشعبين وستنعكس أجواؤها الايجابية على شعوب المنطقة بأسرها، ونضم صوتنا الى صوت فهمي هويدي الذي يقول انه «يفهم جيدا أن تتضرر إسرائيل وتغضب الولايات المتحدة إذا قامت علاقات طبيعية بين القاهرة وطهران حتى لا يتقوى كل من البلدين بالآخر، فضلا عن أن للشيطانين الأكبر والأصغر مصلحة في عزل إيران وتقويض نظامها لأسباب يطول شرحها تتراوح بين رفض إيران للهيمنة الأميركية ومساندتها للمقاومة الفلسطينية، لكن ما لا أفهمه هو أن تنحاز بعض الدول العربية في هذا الشأن إلى جانب المربع الأميركي والإسرائيلي»، وقد حرصنا على الاستشهاد بكلام احد المفكرين المصريين المعروفين بمصداقيتهم على المستوى العربي لكيلا يكون كلامنا مرسلا بلا اثبات او اسناد ولئلا يتهمنا احد بالتجني والافتراء على احد، فمن يريد الخير لمصر ولشعبها لا يمكن الا ان يبارك الخطوات التي تكفل لها استقلاليتها ومصلحة شعبها وان يحترم خياراتها الخارجية بعد ان حسمت ثورة الشباب خياراتها الداخلية، كما ان على النخب الخليجية ان تكون اكثر صراحة مع حكوماتها فمصر اليوم هي غير مصر ما قبل الثورة، فأي تعامل مع الشعب المصري وكأنه قاصر عن تحديد قراراته وخياراته سيكون له ابلغ الآثار السلبية في العلاقات بين الخليجيين والقاهرة، من هنا فإننا لا نملك حقيقة إلا ان نبارك وندعم أي قرار يتخذه الشعب المصري، فأهل المحروسة وقاهرة المعز أدرى بمصالحها.
[email protected]