في أكثر من مناسبة خلال الفترة الأخيرة دار الجدل كثيرا حول مسألة رفع الدعم عن البنزين والكهرباء وغيرها من الخدمات التي تقدمها الحكومة لجميع فئات الشعب، وقد أكدت حكومتنا الرشيدة بداية من سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك ومرورا بعدد من الوزراء أن المواطن محدود الدخل لن يمسّ فيما يتعلق باقتراحات رفع الدعم.
لكن كعادتنا مع أي قضية، وفيما يعكس حيوية المجتمع وتنوع الرؤى، ذكر بعض المحللين والمتابعين أن رفع الدعم عن الخدمات الضرورية سيكون كارثة وسيزيد من معاناة المواطن، ومنهم من بدا أكثر تشاؤما فحذّر من أزمة كبرى إذا أقدمت الحكومة على خطوة كهذه.
وفي المقابل رأى آخرون أن رفع الدعم (أي زيادة الأسعار) مطلب ضروري اعتمادا على اقتصاد السوق ومقارنة بأسعار هذه الخدمات في معظم دول العالم وبالأخص في الدول المجاورة لنا، ووصفوا التوجه نحو رفع الدعم بأنه خطوة على طريق الإصلاح ووقف الهدر، وإرساء العدالة.
وأمام هذا الزخم والحجج التي تبدو منطقية لدى كل طرف، أحب أن ألفت نظر الجميع، وخاصة الحكومة إلى أنها إذا كانت في نيتها فعلا رفع الدعم، فعليها أن تعمل جاهدة على إيجاد خطة على ارض الواقع للإصلاحات الاقتصادية، خطة تؤتي ثمارا سريعة، وألا تكون مجرد مسكنات وقتية، بمجرد أن يمر الوقت المحدد لها تعاود الآلام مرة أخرى إلى جسم المجتمع.
ومن الأفضل أن يتم رفع هذا الدعم بمسطرة عادلة، فلا يصح أن يعامل من يستهلك في حدود بسيطة على قدر احتياجه بمن يهدر في الاستهلاك غير مراع لموارد الدولة وتحديات المرحلة.
ومن المهم أيضا مراعاة التدرج، حتى لا نثقل كاهل الناس بأعباء كثيرة بشكل مفاجئ، وبالتالي يكون التأثير السلبي جليا وقويا على المواطن، وخاصة من محدودي الدخل، فمع رفع الدعم ستتضاعف أسعار السلع والخدمات، ولن يشعر بمرارتها إلا محدودو الدخل.
ومن الحكمة أن تعالج الحكومة مشاكل الميزانية والعجز المالي بعيدا عن هذه الشريحة من أصحاب الدخل المحدود الذين يعتمدون في الأساس على هذا الدعم.
كما أننا بحاجة ملحّة إلى بدائل ناجعة لتنويع مصادر الدخل ومعالجة الاختلال في الميزانية وتجاوز أزمة أسعار النفط، بدائل مبتكرة تحقق الهدف وتحفظ حق الأجيال الحالية والمستقبلية في رؤية دولتهم مستقرة ومتقدمة.
وبالنهاية يجب أن تدرس هذه القضية جيدا وأن يؤخذ برأي المتخصصين، والاعتماد على دراسات متكاملة دون استعجال أو تأخير.