كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر تغيرت الطباع والأطماع فالعقول رجت والسخافات سجت، وأصبح عقل اليوم غير عقل الأمس.
فعلماء الأمس شقوا الطريق، رغم قلة الموارد حققوا المقاصد، ونالوا احترام الزمان والإنسان والمكان، لا ينامون إلا وهموم العلم معهم، وفي صباحاتهم ومساءاتهم يجولون البلاد بحثا عن كلمة لفكرة أو معلومة لفقرة مفقودة.
فمنهم من يستلقي على ظهره رافعا الكتاب أمام عينيه لكي إذا سرقه النوم وقع الكتاب عليه وأيقظه، ومنهم من باع ماله للرحيل من الشمال للجنوب لجمع بعض السطور، ومنهم من مات محاولا الطيران تخصصوا أو تفرعوا.. في كلتا الحالتين لا يمسكون علما قاصدين المظهر بل صارعوا وعصروا خلاصة تجاربهم في كتبهم.
فكان الطبيب طبيبا والأديب أديبا والرواة رواة والفنانون فنانين والشعراء شعراء لا اقتباس ولا سرقة.
فكل منهم لو سئل عن شيء متخصص به أجاب ولو لم يعرف بحث عن الإجابة الصحيحة فلا يفتي بما لا يعلم، وعلماء اليوم مترفون ونادرا ما نرى من بينهم مبدعين فالطريق أمامهم ممتد سهل وهم لا يأخذون غير المأثور المتكرر، فالشهادات مضروبة والعقول مسلوبة وأقلام مأجورة والقناعات مبتورة وأسماء لمعت وهي خالية بواطنها فالاعلام يصنع الأقزام وأصبح الجميع يفتي بكل شيء.
حتى وصل الحال بنا وأصبحنا اليوم لا نشتكي جهل العامة وهي الناس البسيطة فلهم عذرهم لعدم تعلمهم بل نشتكي من جهل الخاصة أي أهل الاختصاص نفسه.
إنسان اليوم يتحدث فيما يعنيه وفيما لا يعنيه ويسمى متحدثا وإنسان الأمس لو تحدث فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه وسمي بالثرثار.
فأصحاب العلوم اليوم لا يعلمون فضائل النجاح والتطور أمام شراء الشهادات وعدم أخذ العلم بجد واجتهاد فشكرا يا عرب كنا ندفع أعمارنا للعلم وكم مات من أجله رجال جعلوا من حضارة الإسلام شيئا نفتخر به واليوم ندفع المال لشراء العلم ونقوم بالتفاخر بالشهادات التي لا تمت للعلم بصلة ونعاتب أنفسنا لماذا سبقنا الغير.
إن الجديد إذا ما زيد في خلق تبين الناس أن الثوب مرقوع .
twittir: alialsabri