يقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم «سيأتي على الناس سنوات خدعات، يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللأسف ينطبق حال الكثير من الناس على ما جاء في هذا الحديث الكريم، وقد حذرنا رسولنا الكريم من هؤلاء البشر الذين يتصنعون من زخرف الكلام حتى يبدو على من يسمعهم التأثر وتصديق قولهم، فأصبح الكاذب في زمننا هذا هو الصادق وأصبح الصادق كاذبا وأصبح الناس يتساهلون في الكذب بل وصلوا إلى الحنث بالقسم وبالدين فتراه يقسم على شيء تافه بأغلظ الإيمان ويتساهل في الخيانة على أمر بسيط، وقوم كثر يضحكون من رجل شريف آثر الآخرة على الدنيا فصدق قوله واؤتمن فعله، فكثير منا يسأل عن انعدام البركة في حالنا وأحوالنا ولماذا تتسارع الأيام بهذا الشكل ولماذا أصبحنا نسمع عن كثرة الأمراض وموت الفجأة وانعدام الثقة بين الناس وانقطاع التواصل بين الناس وكأن كل منا يعيش لوحده في هذا العالم الغريب والعجيب بتناقضاته؟، فأين نحن من قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم (إن خير من استأجرت القوي الأمين) صدق الله العظيم فالقوي هو الصادق مهما كان تذرع الآخرين بالكذب، والأمين هو نقيض الخائن فالأمين هو من أودعت له فاستأمنته على كل أمر، لا ترخص نفسه من نعيم الدنيا بشيء، فلو رأينا بعين مجردة خالية من شعور الإحساس بالدنيا وما تحتويه من فتنه لرأينا أن الفقراء أحسن حالا من الأغنياء فالفقراء المسلمون هم أول من يدخلون الجنة، هذا في حساب الآخرة.
أما في الدنيا فكم من فقير زهد الدنيا واختار الآخرة فتراه سعيدا مستمتعا بعبادة الله جلا وعلا والفقير المسلم هو من يأكل لقمة العيش بالحلال ولا يرى الحرام إلا نجسا لا يقربه الفقير الطاهر وكم من فقير يعيش حياة السعاة وكم من غني يعيش حياة التعاسة والشقاء، لذلك فإن ميزان العدالة هو السير على الصراط المستقيم سواء كنت فقيرا أو غنيا، فالسعادة لا تجلب بالكذب والخداع والخيانة وإنما تأتينا اذا صدقنا مع الله سبحانه وتعالى بالسر والعلن وان نصدق مع الله أولا ومن ثم نصدق مع أنفسنا فذلك يترتب عليه صدقك مع الناس، فنحن يجب علينا أن نكابد هذه النفس الأمارة بالسوء بصنع الخير وتجنب المعاصي فكم انسانا دخل النار والسبب في ذلك الغيبة والنميمة وهو من المصلين الصائمين المتصدقين إلا أنه لا يترك سب فلان وشتم فلان في ظهر الغيب وهؤلاء القوم لا يكبون في النار إلا من حصائد ألسنتهم والعياذ بالله، فيا ليت قومي يعلمون بما وصل إليه حالنا، فالعمر يجري فكل يوم تشرق شمسه نقترب بخطوة إلى قبورنا فالعاقل من يتعظ بغيره ومن سبقه إلى الدار الآخرة.
والجاهل هو الذي لا يرتدع بمن سبقه بل ونرى للأسف أن هناك من بلغ به العمر عتيا وهو يجاهر بالمعصية وكأن ليس هناك حساب ينتظره أو كأنه مخلد بالدنيا، فالدنيا مشتقة حروفها من الدنو أي النهاية، والآخرة هي جنة أو نار، جنة المؤمن ونار العاصي، أسأل الله العلي العظيم أن يرحمنا وإياكم في الدنيا والآخرة، ويجعل أطهر أعمالنا خواتيمها، ويغفر لآبائنا وآبائكم ويجعلنا من التوابين الطاهرين، آمين يا رب العالمين.