فرضت أزمة جائحة كورونا إيقاعها على الواقع الكويتي، لتسلط أضواءها على التساؤلات المطروحة سابقا والتي كان أساسها «التكويت» ليشمل الوظائف العامة عموما والمستحقة للمواطنين للقضاء على كبرى المشكلات التي تواجه المجتمع الكويتي والذي يتحقق من خلال تطبيقها أهم المبادئ التي بنيت عليها الدساتير بصفة عامة والدستور الكويتي بصفة خاصة إلا وهى مبدأ المساواة والعدالة الذي يجب أن يكون السمة الأساسية للتعامل في كل المواضع التي يجب تطبيقها به، لاسيما «التكويت» الذي يعتبر حاليا حجر الأساس للمرحلة المقبلة من التغيير الذي يجب تنفيذه لا محالة ولا مفر منه.
التكويت ما هو إلا ترسيخ للمادة 26 من الدستور الكويتي والتي تنص على أن «الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة ولا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون»، وتلك الأحوال قد بينها بالتفصيل قانون الخدمة المدنية الكويتي لسنة 1979.
جرت العادة على التصريح من المسؤولين دائما وكل عام عن تطبيق سياسة الإحلال وتنفيذها بالصورة المثالية وكل عام مثل سابقه من التصريحات، التي تعمل على تكويت الوظائف الحكومية والعمل على تخفيض الموظفين غير الكويتيين (الوافدين)، ويتم الإعلان عن الخطة الموضوعة لذلك من ديوان الخدمة، ولا نلاحظ فارقا. والسؤال هنا هل هناك خطأ ما في تطبيق أدوات السياسة العامة للتكويت؟
ما يثير علامات الاستفهام الكثيرة هي ثبات نسبة العمالة الأجنبية في البلاد منذ 2002 إلى 2020 بين 24% و26%، ما يجعل من أدوات الإحلال مكتوفة الأيدي في الوصول بنجاح إلى الهدف الأساسي، ولا ننكر جهودهم طوال السنوات السابقة في تطوير مرافق الدولة في وقت كان يستلزم وجودهم ومساهمتهم فيها، ولكن اليوم أصبحت الكويت تزخر بأبنائها في جميع التخصصات، وإن كان رد (ديوان الخدمة) أن هناك وظائف حكومية لا يقبلها المواطنون ويعزفون عنها بالإضافة الى وجود تخصصات نادرة لا تستطيع أعداد الخريجين السنوية تلبية الطلب عليها، ما يعطي فرصة أوفر للوافدين، فلماذا لم يتم توجيه المواطنين سابقا بالإعلان عن تلك الوظائف وتوجيههم من بداية الدراسة الجامعية لتلك التخصصات من بداية الإعلان عن سياسة الإحلال منذ سنوات عديدة ترسيخا لمبدأ الشفافية في التعامل مع المواطنين، وتفاديا لما وصلنا إليه اليوم من خلل واضح في التركيبة السكانية وتراكمات سنوات عديدة لم تظهر فحولتها إلا بهذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد؟
ولم تكتف بذلك أزمة كورونا بل ألقت بظلالها على أهم السلطات «القضاء» الذي يعتبر تكويته ضرورة باعتباره المسؤول عن سيادة الدستور والنظام القانوني داخل الدولة بشكل عام وتركيزه بشكل خاص على صناعة القرار من قبل القضاة في تحقيق أكبر قدر ممكن من الإذعان من قبل الأشخاص المتنازعين، أي تجسيد كلي لمعنى العدالة، والأجدر به أن يكون أولى المؤسسات التي يجب الإسراع فيها بإحلال القضاة الكويتيين محل غيرهم من الدول العربية الأخرى حفاظا منا على مبدأ تكريس سيادة الدولة، خصوصا ان آخر نسبة معلنة من المجلس الأعلى للقضاء عن نسبة التكويت حتى نهاية عام 2019 وصلت إلى 66% قضاة كويتيين في مقابل نسبة 34% لقضاة غير كويتيين.
ومن هذا المنطلق فإن الأصل في التعيين القضائي أن يكون القاضي كويتيا تطبيقا للمادة 19 من قانون تنظيم القضاء الكويتي رقم 23 لسنة 1990 والتي تنص على أن «يشترط فيمن يولي القضاء أن يكون كويتيا، فإن لم يوجد جاز تعيين من ينتمي بجنسيته إلى إحدى الدول العربية».
فهل يعقل أن مرفق وسلطة مهمة مثل السلطة القضائية أنشئت منذ أكثر من 50 عاما مضى ولم يكتسب القضاة الكويتيون بها الخبرات الكافية التي تؤهلهم من الاستقلال الكامل وعدم الاحتياج إلى نظرائهم من الدول العربية، هناك خلل جلي يستوجب التوضيح، وإن كان الرد على ذلك كثرة القضايا المنظورة أمام القضاء، فأين كنا نحن من التطوير الإلكتروني الذي يعتبر إحدى علامات تحقيق العدالة الناجزة؟
إلا أن ما أثار دهشتي بعض التصريحات أنه حتى لو تم التكويت القضائي الكامل، فذلك لا يعني الاستغناء عن الخبرات القضائية لغير الكويتيين بشكل تام وخاصة في محكمة التمييز، أي انها حلقة مفرغة سواء في الوظائف العامة او القضاء من سياسات إحلال ليست حازمة بالشكل الكافي تمكننا من التكويت، ما يتطلب التدخل البرلماني لسن وفرض تشريعاته للخروج بقانون تكويت حاسم يحكم قبضته في تنفيذ الإحلال الكامل لكل مؤسسات الدولة.
[email protected]