أقرت الجلسة التكميلية لمجلس الأمة في الأسبوع الماضي عدة تعديلات مهمة في تاريخ التشريع القانوني بشأن قوانين المحاكمات الجزائية والمرافعات وقانون التوثيق، مما يجعل من تلك التشريعات مكتسبات وطنية غير مسبوقة في محاولة جادة وفاعلة لإيجاد حلول لبعض المشاكل القانونية بتشريعات مناسبة لها من أجل تعجيل سير العدالة ومواكبة للتطور الرقمي الحديث.
التشريع الأول هو تعديل بعض أحكام القانون رقم (17) لسنة 1960 بإصدار قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية (فيما يتعلق بالتماس إعادة النظر في الأحكام الباتة)، تدخل المشرع الكويتي دائما بالتعديل في القوانين الإجرائية والمحاكمات الجزائية، أصبح واجبا من أجل استحداث طرق جديدة للطعون تضمن إجراءات عادلة لأي متهم في محاكمته، فدائما ما كان الأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، تكفل له ضمانات ضرورية من أجل ممارسة حق الدفاع تطبيقا لنص المادة 34 من الدستور الكويتي.
ويعتبر التماس إعادة النظر طعنا في حكم نهائي، يرفع هذا الالتماس إلى المحكمة التي أصدرته ويطلب لأسباب معينة وفقا للقانون ولا يكون إلا في أحكام قضايا نهائية واجبة النفاذ، وبناء على طلب من الخصوم أو من له علاقة بالحكم، أي انه باختصار يساهم في فتح باب جديد للمتهمين الذين ظهرت أدلة جادة تدل على براءتهم بعد الحكم عليهم، وقد حدد المشرع الكويتي طلب التماس إعادة النظر في الأحكام النهائية والباتة الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح، في حالات حددها المشروع بقانون على سبيل الحصر كالتالي:
أ ـ إذا حكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المجني عليه حيا، وصدور حكمين متتاليين عن الواقعة نفسها يستنتج منه براءة أحد المتهمين.
ب ـ إذا أدين أحد الشهود أو الخبراء بجريمة شهادة الزور أو تزوير مستند مؤثر في الدعوى.
ج ـ إذا بني الحكم على أحكام مدنية أو إدارية أو الأحوال الشخصية ثم ألغي هذا الحكم، وإذا كان منطوق الحكم متناقضا مع بعضه، إذا ظهرت مستندات أو وقائع جديدة وكان من شأنها أن تؤدي للقضاء ببراءة المتهم.
وقد نص المشروع على ميعاد قانوني، وهو ثلاثون يوما من تاريخ الحكم، أو العثور على المجني عليه في جريمة القتل، أو اليوم الذي ظهرت المستندات أو الوقائع الجديدة.
وقد كان هذا التعديل الإجرائي المهم في الخطة التي وضعها جمعية المحامين الكويتية في «رؤية المحامي 2020» حيث ارتأت أنه بمنزلة ضمانة لعدم وقوع أخطاء قضائية من شانها الزج ببعض المحكوم عليهم في القضايا الجزائية في الحبس بمجرد صدور حكم المحكمة النهائي الذي لا يوجد له أي سبيل لمعاودة الطعن عليه مرة أخرى، مما يترتب عليه من فراغ تشريعي يضر بالمحكومين في العديد من القضايا الجزائية.
أما التشريع الثاني فيتعلق بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم (38) لسنة 1980 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية (فيما يتعلق بمخاصمة القضاة)، حيث كان الأصل المعمول به سابقا هو عدم مسؤولية القاضي عما يصدره من أحكام وأوامر وقرارات أثناء عمله، لاستعماله حق أقره له القانون وترك في يد القاضي سلطة التقدير فيه، حيث لا يمكن لأحد الخصوم الذين قد فصل القاضي في دعواهم ومال في حكمه إلى أحدهم أن يرفع دعوى قضائية ضد القاضي وكان كل ما يستطيع فعله أن يتقدم بشكوى إلى إدارة التفتيش القضائي والتي لا تملك تحميل القاضي اي مسؤولية.
أما بعد إقرار قانون المخاصمة فيجوز مخاصمة رجال القضاء والنيابة العامة إذا وقع منهم في عملهم تواطؤ مع أحد الخصوم أو غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم أو إساءة استعمال السلطة المخولة له وفقا للقانون، كما نص على وجوب رفع دعوى المخاصمة خلال ثلاثين يوما، ويبدأ هذا الميعاد من اليوم الذي ظهر فيه الغش أو التدليس أو إساءة استعمال السلطة، وتستحكم المحكمة بالتعويض المناسب عن الأضرار التي لحقت بالمدعي وتكون خزانة الدولة هي المسؤولة عن تنفيذ ما يحكم به على المخاصم من تعويض ولها حق الرجوع على القاضي.
وكان أيضا هذا التعديل الإجرائي من التعديلات التي وضعتها جمعية المحامين الكويتية في «رؤية المحامي 2020»، وجاء ذلك من منطلق توفير الحد الأقصى من ضمانات العدالة وقهر الظلم الذي يمكن وقوعه على أحد المتخاصمين الذي قد يقع نتيجة لتهاون القاضي والميل لأحد الخصوم، ليحدث بذلك إخلال حاد بنزاهة القضاء المفترض وجودها فيهم، لذلك كان يجب أن تكون المسؤولية التي تقع على عاتق القاضي مختلفة عن سائر الأفراد وموظفي الدولة فدعاوى المسؤولية هنا يجب أن تختلف عن سائر دعاوى المسؤولية من حيث تحديد أسباب المخاصمة وإجراءات الدعوى والمحكمة المختصة بها والأثر المترتب على الحكم فيها.
والتشريع الثالث الذي تم إقراره هو قانون التوثيق الذي يسمح للأفراد والشركات بالترخيص، لمواكبة التطور الرقمي الذي يهدف إلى تعزيز مبادئ العدالة والتنافسية والارتقاء بمستوى الخدمات الحكومية، بالإضافة الى تمكين المحامين من ممارسة عملهم وتسهيل الإجراءات الحكومية بشأن التوكيلات بجانب أن القانون سيفتح باب رزق للمحامين وهذا وفقا لشروط وضعها القانون ولتكون له المرجعية والممارسة القانونية.
وأوضحت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون أن أهميته تكمن في إثبات الحقوق واستقرار المعاملات ومجابهة ما تعانيه وزارة العدل حاليا من تأخر في معاملات التوثيق، الأمر الذي ينعكس سلبا على معاملات طالبي الخدمة خاصة المستثمرين، الأمر الذي استدعى تدخلا سريعا لتحسين مستوى التوثيق من خلال الترخيص لكاتب عدل أهلي من غير موظفي التوثيق وفقا لضوابط واشتراطات وإجراءات توفير آلية متميزة.
وكانت قد وضعت «رؤية المحامي 2020» في خطة للارتقاء بمكاتب التوثيق التابعة لوزارة العدل والتغلب على ما كانت تعانيه وما زالت من تأخر لمعاملات التوثيق بسبب التزايد الكبير في طلبات التوثيق، مما كان يطلب توفير السرعة اللازمة لتلبية حاجة السوق والوصول للجودة وتوفير الخدمات، ما جعل من إقرار قانون التوثيق بمنزلة تلبية لمطالب جمعية المحامين الكويتية.
والتشريع الرابع الذي تم إقراره في ذات الجلسة هو تعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم (38) لسنة 1980 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية (فيما يتعلق بالإعلان الإلكتروني)، حيث كان الهدف من تعديل القانون جواز رفع صحيفة الدعوى أو الطعن في الأحكام عن طريق البريد أو النظام الإلكتروني باستخدام التوقيع الإلكتروني المعتمد.
ولا ننسى أن وزير العدل د.فهد العفاسي وضع آلية خاصة بتنفيذه وتطبيقه على مراحل تبدأ بالجهات الحكومية والشركات ثم الأفراد، حيث سيتم بدء التطبيق الفعلي على الحكومة والشركات بوجود 3000 شركة يتم إعلانها إلكترونيا. وبهذا يصبح التقاضي الإلكتروني هو الأصل ويضم التقاضي عن بعد ويحقق نقلة نوعية في مجال رقمنة التقاضي.
وقد بذلنا في جمعية المحامين من خلال رؤيتنا جهدا كبيرا في شأن الإعلان الإلكتروني ودراسة التعديل عليه قبل إقراره من مجلس الأمة وذلك سعيا وإيمانا منا في الوصول للنظام الشامل في تسجيل الدعاوى القضائية والسير بتبليغها وإصدار حكمها إلكترونيا.
والآن بعد صدور تلك التشريعات، أصبح بإمكاننا الوصول للهدف الأساسي لتحقيق رؤية خاصة للتقاضي وجعلها سهلا ومبسطا من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة التي ما زالت تتطور بتطور المجتمعات، للوصول للرؤية العامة للدولة كما هو مقرر لها «رؤية الكويت 2035».
[email protected]