أستعرض هنا بعض جوانب الشخصية التي يريد الاسلام ان يخلقها في الفرد المسلم كما يطرحها أئمة اهل البيت النبوي الكرام من خلال «دعاء الافتتاح» الذي يراد للمسلم ان يفتتح به امسيات هذا الشهر ليغترف من معانيه ويسبغ على نفسه مضامينه، فأدعية أهل البيت ليست مجرد طلبات يتقدم بها المسلم لربه بل هي توضيح ابعاد العبودية للباري عز وجل وأساليب صقل الشخصية الإسلامية.
يصف هذا الدعاء الخالق العظيم بعباراته «وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة»، ويقول «الحمد لله الذي ليس منازع يعادله ولا شبيه يشاكله ولا ظهير يعاضده، قهر بعزته الاعزاء وتواضع لعظمته العظماء فبلغ بقدرته ما يشاء»، ولكم تصور ما تبرزه هذه العبارات من مظاهر قدرة الله وتوحيده، ثم يقول «فكم يا إلهي من كربة قد فرجتها وهموم قد كشفتها وعثرة قد اقلتها ورحمة قد نشرتها وحلقة بلاء قد فككتها»، فهنا تقرير لكيفية الادارة الربانية لشؤون الخلق وهي في الوقت ذاته مظاهر عناية الله بخلقه وينتقل الدعاء لعلاقة الإنسان بربه في ثلاث محطات الاولى كيفية التذلل لرب العالمين، حيث يقول «اللهم اني اسألك قليلا من كثير مع حاجة بي اليه عظيمة وغناك عنه قديم وهو عندي كثير وهو عليك سهل يسير»، والمحطة الثانية هي مظاهر لطف الله بعبده «اللهم ان عفوك عن ذنبي وتجاوزك عن خطيئتي وصفحك عن ظلمي وسترك على قبيح عملي وحلمك عن كثير جرمي، اطمعني ان اسالك ما لا استوجبه منك الذي رزقتني من رحمتك واريتني من قدرتك فصرت ادعوك آمنا واسألك مستأنسا لا خائفا ولا وجلا، فإن ابطأ عني عتبت بجهلي عليك ولعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور»، ولا حاجة هنا لبيان مضامين تلك العبارات الآسرة.
وفي المحطة الثالثة يصور الدعاء كيفية تقبل الانسان للفيض الرباني «انك تدعوني فأولي عنك وتتحبب الي فأتبغض اليك وتتود الي فلا اقبل منك كأن لي التطول عليك». ويمضي الدعاء في بيان كثير من الحقائق وكيفية الخشوع بين يدي رب العزة وماهية الطلبات التي يرفعها الانسان لخالقه وبأي طريق.
وكم تمنيت ان تقوم قنواتنا الاعلامية بأخذ فقرات من هذا الدعاء ومثيلاته من ادعية ائمة اهل بيت النبوة بدلا من ترك الامر لعقول ناقصة وألسن قاصرة عن كيفية مخاطبة رب العالمين ولا حتى ماهية تلك الطلبات والرجاء ولتترك الطائفية البغيضة والاتهامات الفارغة ولتنهل من «مفاتيح الجنان» حقائق الاسلام ومظاهر الايمان والطرق الفذة في صياغة النفس الانسانية كما تطرحها وتجسدها المناجاة النبوية التي انطلقت على ألسنة اهل البيت وتقبل الله صيامكم.
[email protected]