عندما نتحدث عن الديموقراطية في بلد فإن أذهاننا تتحول فورا إلى برلمانه المشرع، فهو عنوان الديموقراطية في أي بلد، وهو ما يعكس جليا وبوضوح مدى ديموقراطية هذا البلد، لأن ممثلي الشعب فيه هم من يعول عليهم في سن التشريعات التي تريح شعبه، وتبحث دوما عن رفاهيته.
منذ فترة كنت أتحدث مع بعض الأطباء العرب والأجانب على العشاء بعد انتهاء اليوم الأخير من مؤتمر طبي، فسألني طبيب إيرلندي سؤالا قائلا: هل صحيح أن الكويت الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي توجد فيها ديموقراطية حقيقية؟ ويبدو أن السؤال قد لفت انتباه جميع الأطباء العرب الحضور، فأطرقوا صامتين في انتظار الإجابة بشغف ولهفة.
ومع أني كنت متحمسا للإجابة بنعم كالعادة إلا أن هذه المرة انتابتني حالة من الصمت، وسكت هنيهة، قبل أن يسرح ذهني بعيدا، ويغرق في عدة تساؤلات، ثم التفت إلى سائلي وقلت له «we are not here to discuss politics»، ومع أن إجابتي أراحت الجميع إلا أن هذا السؤال ظل في مخيلتي، ولم يفارقني لحظة واحدة، وكنت مقتنعا فعلا بأن إجابته كانت صعبة ومعقدة لا أدري لماذا هذه المرة.
فكرت كثيرا في الأسباب وكيف وصل بنا الحال إلى هذا؟ فكانت جميع الإجابات تصب في بوتقة تلك الأحداث السياسية المتسارعة التي مرت بها البلاد أخيرا، والتي جعلت لساني هذه المرة يعجز عن إجابة الطبيب الإيرلندي بنعم وأنا فخور، فالناظر من الخارج للكويت يبدو له أن لدينا نظاما ديموقراطيا ممتازا بوجود مجلس تشريعي منتخب بإرادة شعبية وانتخابات نزيهة، ومجلس تنفيذي دوره يقتصر على تنفيذ طلبات الشعب التي يقرها مجلس الأمة، ولدينا كذلك صمام أمان وهو سمو أمير البلاد ـ حفظه الله - يقوم بالتدخل لحل أي أمور مستعصية، أو خطيرة على الأمن، وهي ميزة بالطبع لا تتوافر لأي دولة.
ولكني عندما نظرت عن كثب وبإنصاف عن هذه الديموقراطية، بدأت أتساءل هل الانتخابات فعلا حرة؟ ام تقوم بفرعيات قبلية ومناطق طائفية، وتستخدم احيانا شعارات دينية، هذا غير الموالين للحكومة، وكأنها حكومة دولة أخرى، والسؤال الثاني الأهم لماذا يستميت المرشح في دخول مجلس الأمة؟ هل لخدمة الشعب فعلا؟ أم لخدمة نفسه ومصالحه الشخصية والتجارية؟.
إن ما وصلنا إليه من حال يبين مدى الشرخ الحاصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالأولويات أصبحت مختلفة، فالذي لابد أن يكون محل اتفاق أضحى محل تناحر واقتتال، مما أثر على نمو وتطور البلاد وكذلك على استقرار عجلة التنمية في شتى المجالات، مما يجعلنا نضع جوابا للطبيب الإيرلندي في نهاية المطاف بأن «ديموقراطيتنا خرطي».