عندما كنا (نشتهي) نتناول وجبة غداء أو عشاء تقليدي يزين مائدتك صحن كباب مع حمص وخبز تنور وتشرب بعدها استكانة شاي على الفحم ترتشف معه رائحة ماضي الكويت وتستنشق عبق تراثها وتفخر بهويتك الوطنية، تذهب إلى مقاهي ومطاعم سوق المباركية «تترس بطنك وبطن ضيوفك» وتغادر مثقل كرشك بما لذ وطاب من خيرات الله تحمده على نعمة الرخص وخفض سعر مثل هذه الوجبات اللذيذة وغيرها.
اشتهرت مطاعم ومقاهي أسواق المباركية برخص كل ما في محلاتها من سلع حتى جاءت القرارات غير المدروسة لمدعي المعرفة، عباقرة هذا الزمان، التي لم تكن لصالح البلاد والعباد، مع بداية عام ٢٠١٧ بدأ التغيير في إدارة واستثمار أسواق المباركية، وتبعها رفع إيجارات محلاتها، وصار إلزاما على جميع أصحاب تلك المحلات قبول الإيجار الجديد الذي تراوحت نسبة زيادته بين 300% و400%.
وافق قسرا من وافق وترك مجبرا من ترك محلاته وآخرون لجأوا للقضاء ولم يوفقوا، انسجاما مع القفزة الجنونية المخربة لمزايا هذا السوق أصبحت سلع سوق المباركية «نار» تباع بأغلى الأثمان ولم تجد من يشتريها، ولم يعد عنصر جذب الزوار والمستهلك لها كما كان، حتى أصبح سوق المباركية ومحلاته يشكلان عنصر طرد لمن كان يرغب في التسوق والبحث عن جودة السلع الاستهلاكية وأرخصها، حتى اقتصر سوق المباركية على «التمشي» فقط و«المخازز» بين مرتاديه وبدأ إغلاق المحلات ومغادرة مؤجريها تشكل ظاهرة غريبة لمن يجهل السبب وتغيرت الأنشطة التي كان يشتهر بها هذا السوق وكذلك مستثمروه الذين بدأوا يجربون حظهم العاثر في تغيير السلع، لعل في هذا الحال معالجة لنتائج الجشع والطمع الذي قضى على أفضل مميزات هذا السوق الذي يعد موقعا سياحيا فريدا بامتياز، والقادم على ما يبدو أسوأ والدليل حريق مارس الذي التهم أثمن وأعظم ما فيه وهو أحد أهم جوانب تاريخ الكويت!.
حلقة أخرى لهذا المسلسل المريع، القرارات العبقرية غير المدروسة الأخرى وهي إلزام كل الوافدين الراغبين بتجديد إقاماتهم ممن بلغوا من العمر 60 عاما دفع رسوم تبلغ ٨٠٠ دينار، أي ما يعادل 2600 دولار، نتج عن هذا القرار مغادرة أكثر من 4 آلاف وافد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أي مغادرة خبرات فنية ومهارات مهنية من المستحيل تعويضها، بدأوا في العمل عندنا وتعلموا على ظهورنا حتى باتوا خبراء في صنعتهم، فضلا عن أن من بلغ هذا العمر يتمتع منهم باتزان نفسي وعاطفي قلما يتمتع به الشباب خاصة المتهور منهم، بهذه المناسبة ودي أن أذكر عباقرتنا صناع مثل هذه القرارات وأسألهم: هل تعتقدون أن مبلغ ٨٠٠ دينار هو المبلغ الوحيد الذي سيدفعه الستيني عند تجديد إقامته وتناسيتم قيام هذا الوافد بدفع مثل هذا المبلغ أو يزيد (حسب الجنسية) لكفيله الجشع الذي يتربص له ولأمثاله كي يستمر في امتصاص دمه ودم أبنائه؟
أرجو أن يفيدنا صناع هذا القرار عن الكيفية التي سيلجأ لها هذا الوافد وأسرته في العيش ببلد الإنسانية (إذا قرر دفع المبلغ)، بحفظ لسانه من السؤال والبحث لاهثا وراء لقمة عيشه؟ ما التبعات والآثار السلبية التي سندفع ثمنها نحن المواطنين من شح الأيدي العاملة الماهرة والظفر بإنتاجية وصناعة وبناء ما نحتاجه من أساسيات الحياة؟
بالأمس أسواق المباركية، والآن خسارتنا لخبراء حرفيين ومهنيين، وغدا علمه عند علام الغيوب.