الصديق له أهمية كبيرة، فكل منا بحاجة لمن يصادقه ويكون بجانبه في السراء والضراء، غير أنه يجب أن تكون له مواصفات خاصة يجب التحقق منها، فقبل أن نصادق أحدا من الناس نتحقق من معدنه، ومن أخلاقه، وذلك لأن الصداقة تفرض العديد من الضوابط الأخلاقية في التعامل بين الناس فيكون الصديق بمنزلة أخ لك لم تلده أمك.
وقد حثنا القرآن الكريم على ضرورة انتقاء الأصدقاء، والتدقيق في اختيارهم، فقال تعالى: «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين» سورة الزخرف: الآية رقم 67، ورغم هذه التوجيهات العظيمة التي جاء بها الذكر الحكيم، وللأسف الشديد نرى العديد من التغيرات، وذلك نتيجة للعديد من الأسباب منها عدم القدرة على اختيار الصديق الوفي، وعدم التدقيق في سمات هذا الصاحب، مما يترتب عليه حدوث العديد من المشاكل ليس فقط على المستوى الاجتماعي بل وعلى المستوى الأخلاقي أيضا، حتى أصبح الفرد يخشى كثيرا من غدر صاحبه، وهناك العديد من الأحداث والنماذج التي كشفت عن غدر الصحاب، وما ترتب عليه من جرائم، فقد نقلت الصحف وشاشات التلفاز الأحداث المؤسفة التي دارت، فلم نكن نتصور في يوم من الأيام قيام مجموعة من الأصدقاء بحرق صديقهم دون مبرر، سوى أنه آمن لهم ومشى معهم وصار في طريقهم الذي انتهى بمقتله على أيديهم، صارخا في وجه صداقتهم المزيفة والغادرة قائلا ماذا فعلت أنا أخوكم، ماذا فعلت؟ تلك كلمات النهاية التي كشفت عما ألم بمجتمعنا من تغيرات سلبية أثرت على الكثير من القيم الاجتماعية التي كنا نحرص على وجودها في علاقتنا مع أصدقائنا.
إن التاريخ يكشف لنا الغدر والخيانة التي يقوم بها بعض الأصدقاء، فقديما تمت خيانة القيصر من أصدقائه المحيطين به، إذ اتفقوا أن يقتلوه بعد اجتماعهم، فبينما هو آمن في قربهم انهالوا عليه بالطعنات، فقال كلمته التي مازال التاريخ يسطرها لتكون عبرة لمن يعتبر«حتى أنت يا بروتس إذن فليمت قيصر» لقد تركوه في دمائه سائلة بعد طعنه عدة طعنات وكانت الطعنة الأولى من أقرب أصدقائه بروتس، فلم يكن وللأسف الشديد صديقه المنقذ له، بل كان المخطط لاغتياله بعدما أعطاه الأمان الكامل، لقد كانت طعنات غادرة وغير متوقعة، فإن شك في القريبين منه، فبطبيعة الحال لا يشك في أقرب الناس إليه وهو صديقه.
إن هذه النماذج التي حرصت أن أسوقها في هذه المقالة وبشكل عاجل، تدق ناقوس الخطر وتنذرنا بأننا يجب علينا أن ندقق في اختيار الصاحب، فمن المهم التحقق من صدقه، والتحقق من مدى تمسكه بالقيم الاجتماعية والأخلاقية، ووضعه تحت الاختبار لأكثر من مرة، حتى يظهر لنا معدنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل بيتك إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي»، ويعني ذلك أنه لا نعطي الأمان إلا لمن نتحقق من صدقه، وقيمه وأخلاقه ومبادئه، وتقواه، فإذا لم يكن بالمواصفات والصفات المطلوبة، فالأحرى أن تترك هذه الصداقة، التي لا يترتب عليها سوى الغدر والخيانة.
إن المجتمع نفسه والبيئة الاجتماعية المتغيرة والمتأثرة بالكثير من المتغيرات الاجتماعية والأخلاقية التي طرأت في عصرنا الحاضر، يجعلنا أن نكون أكثر شدة في اختياراتنا لأصدقائنا، وأكثر حرصا على من نعطيهم الأمان، وأكثر دقة في اختيار من تتوافر فيهم مواصفات الصديق الحسن، كما يجب علينا أن نأخذ في حساباتنا المتغيرات الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والاقتصادية التي يشهدها الشباب في عصرنا، وذلك لأن هذه المتغيرات وللأسف الشديد كان لها التأثير السلبي عما سواها في حدوث الكثير من السلوكيات الخاطئة، وفي حدوث العديد من الجرائم الموجهة نحو الصديق الذي يأمن غدر أصدقائه.