العنف عندنا يشتد وبازدياد مخيف وغير مسبوق، هكذا هو الحال، ومن أسبابه برأيي المتواضع «خزة» نقيس بها مكانتنا الاجتماعية وأهميتها، ونحدد معايير قبولنا وتقبلنا فيه، وندرك حدود هويتنا الاجتماعية!
وبسبب تدني ثقة البعض بأنفسهم، يعتبرونها تحديا، فهي نظرات «خزة» متبادلة بين اثنين، ثم يتطور الأمر ويتحول إلى حوار غير لفظي، يوجه من خلاله تساؤلات سقيمة، تترجم على شكل تساؤلات، أولها: «شعندك» تخز؟ وهو يرد بنفس السؤال، ثم يتطور الأمر لتضاف إليه إيماءات حركية (حركات باليد، بالرأس... الخ) يفهمها الطرفان جيدا، فيطلب كل واحد من الآخر أن يغير اتجاه نظره «الخز» ويبعده عنه.
ويسمى هذا الطلب بمفهوم هذه الفئة «اكسر» عينك عني وإلا...! فعندما يصل الأمر لهذا الحد، يلج إلينا مفهوم آخر يقدمه المتنازعان وهو مفهوم التحدي (منهو الأقوى، البطل، المغوار...)، وغيرها من المفاهيم التي تدخلنا إلى عالم آخر ينقصه الاتزان والتعقل والحكمة وإدراك الموقف بمقياس المنطق، والقدرة على ضبط النفس، وأن القوي هو من يملك نفسه عند الغضب. وهنا يقع المحظور ويتم التحدي بين الاثنين ونهايته معروفة لدينا جيدا وهي نشوب معركة بينهما، لأن آيا منهما لم يقدم التنازل ويكسر عينه عن الآخر! لأن في قرارة نفسهما أن البقاء للأقوى! (الذي يصمد بخزته ولا يغيرها ويبقيها حتى يغير الآخر اتجاه نظره)! إنها أدنى مراتب العقلانية وانزل درجات الحكمة، فإذا أصر الاثنان على موقفيهما، يتحول الموقف إلى نشوب معركة خاسرة يستخدم المتنازعان جل أصناف أدوات (الهوشة) لتسفر في النهاية عن نتيجة مؤسفة، فلا مهزوم ولا منتصر ولا هم يحزنون، بل الإبقاء على ثقافة وسلوك الغاب والاستهزاء بقوانين الدولة وعدم الالتزام بقيم وعادات وتقاليد المجتمع وإبقائها أسفل مراتب الرقي الأخلاقي وأدنى درجات سلم التحضر!
ناقش كاتب السطور ثقافة «الخز» منذ أكثر من 25 عاما في البرنامج الإذاعي (حدث من بين الأحداث - إعداداً وتقديماً) وكان يبث حينها عبر أثير البرنامج الثاني من إذاعة الكويت، وكنا نحذر وضيوف هذا البرنامج من استفحال هذه القضية وقدمنا خلاله العديد من الحلول تجنبا لتحول هذا القضية إلى مشكلة كبيرة، إذ كانت محدودة في ذلك الوقت بمشاجرات تقع بين الأحداث، لكن مع الأسف الشديد ها نحن اليوم وبعد مرور عقدين ونيف من الزمن تتحول تلك الثقافة الدخيلة إلى الكبار لتتحفنا الصحف ووسائل التواصل الاجتماعية بالأخبار عن وقوع المشاجرات، بل والمعارك بالأسلحة البيضاء تارة وبأدوات حادة كالسكاكين وغيرها تارة أخرى، القاسم المشترك في أسباب وقوعها «ليش تخزني؟»!
لم نتعظ من تجاربنا السيئة، ولم ندرك خطورتها! هل هذا جهل منا أم استهتار، استغفال، ضيق في الأفق، أم من آمن العقوبة أساء الأدب؟