أسهمت الطفرة الهائلة التي حدثت لعالمنا خلال السنوات القليلة الماضية في مجال التكنولوجيا والاتصالات وبشكل متسارع في حدوث تغييرات هائلة وساهمت في انفراج ثورة ونقلة نوعية في التقدم التكنولوجي وبشكل باهر نحو مستقبل أفضل، خاصة إذا ما رصدنا ذلك التطور الهائل والسريع في مجال «الإنترنت» والذي أصبح من المتطلبات الأساسية في حياتنا وأصبحت حاجتنا له في حياتنا تعادل حاجتنا للأوكسجين الذي نتنفسه، وباتت جميع التعاملات الحكومية المهمة، والبنكية وحساباتها السرية والتجارية والأمنية والعسكرية وحتى الشخصية وغيرها تعتمد اعتمادا كليا على الإنترنت، وبدأنا نتعامل مع مصطلحات الحكومة الإلكترونية والتسوق الإلكتروني والتحويلات المالية الإلكترونية والبريد الإلكتروني كجزء أساسي في حياتنا اليومية.
وكل ما سبق ذكره من معلومات يتم بثها ونشرها وتداولها عبر الأثير بواسطة إرسال الموجات الكهرومغناطيسية (اللاسلكية)، أو الألياف الضوئية والمنتشرة عبر المحيطات، ويتم تخزين بياناتها عبر أجهزة كمبيوتر ذات طاقة تخزينية عالية جدا تسمى الخوادم (Servers) أو عن طريق السحاب الإلكتروني (I Cloud)، أما الجانب السلبي من هذه الطفرة فهو أن هذه المعلومات المهمة تكون عرضة للرصد والالتقاط، ويمكن الإطلاع عليها من قبل أشخاص غير مصرح لهم بذلك، وذلك بواسطة أجهزة كمبيوتر بسيطة أو هواتف ذكية شخصية، ويتم استغلالها بشكل عدائي بعد الإطلاع على محتوياتها السرية أو تدميرها، أو سرقتها أو إجراء تعديلات عليها أو عمل تحولات مالية غير قانونية، ومن هنا ظهر مصطلح الأمن السيبراني (Cyber security).
الأمن السيبراني أو أمن تكنولوجيا المعلومات أو أمن المعلومات الإلكترونية، ويقصد بها مجمل الإجراءات التي يتم اتخاذها لحماية أجهزة الكمبيوتر والخوادم والأجهزة المحمولة والأنظمة الإلكترونية والشبكات والبيانات من الهجمات المعادية والدفاع عنها أو الحد من خطر الهجمات الإلكترونية المعادية، والحماية من الاستغلال غير المصرح به للأنظمة والشبكات، وتملك كل دول العالم المتقدم إدارات وهيئات خاصة بالأمن السيبراني تعنى بالحفاظ على أمن الشبكة التقنية والتي تشمل الإدارات الحكومية والمؤسسات المصرفية والشركات وتحميها من أي اختراق معاد، وأصبح جليا لهم أن الحروب القادمة هي حروب إلكترونية والأمن السيبراني يشكل جزءا بسيطا منها.
ولكن للأسف لا يوجد في الكويت اهتمام أو توعيه في هذا المجال، وباعتقادي أن أول الحلول الممكنة في مسألة الأمن السيبراني هو إيمان حكومتنا بأهمية هذا المشروع، وعدم جعله مشروعا هامشيا ضمن الدورة المستندية البيروقراطية للدولة، بل يجب عليها أن تقوم بجعله ضمن أولويات الدفاع الوطني وأحد المشاريع المحورية المترافقة مع التطور العالمي في التقنية ومحاولة مواكبة ما وصلت إليه دول الخليج على الأقل في مجال الأمن السيبراني، حيث إننا أقل دولة تبدي اهتمامها بهذا المجال.
والحل الثاني هو تشجيع الطلاب من ذوي العقول النابغة على التخصص في هذا المجال وابتعاثهم للدراسة في الخارج، دون تدخل سياسي أو واساطات تجعل من غير المؤهلين هم من يحصلون على هذه البعثات، وإلزام هؤلاء الطلاب قانونيا بالعودة والعمل في مجال الأمن السيبراني مع الحكومة. كما يمكن استقطاب المخترقين المتطفلين «الهاكرز» وبعضهم من العباقرة والمبدعين في هذا المجال، وإعطائهم الأمان والحماية للعمل في بيئة آمنة لاستغلال طاقتهم الهدامة وتحويلها إلى طاقة بناءة وإعطائهم حوافز تشجيعية للعمل.
والحل الثالث تأسيس جهة مستقلة متخصصة في الأمن السيبراني يشرف عليها مجلس الوزراء، وتعيين الكفاءات فيها وتدريب كوادرها على «الردع» و«الهجوم» ليضعوا الكويت على خارطة العالم التقني التي لا تزال خارجها وفي ذيل قائمتها.
[email protected]