اللغة هي وسيلة تواصل الإنسان مع الآخرين، هي أكثر وأعمق من مجرد وسيلة توصيل، إنها تمثل الإنسان بعينه، تمثل الثقافة وتركيبتها المستعصية، فإن أردت فهم شعب وأمة فعليك بفهم لغتها.
وفي هذا العصر، مع تقدم الركب الحضاري والتقدمي للمجتمعات وتغير عامل الثقافة المطاطي الذي يمتد وينكمش، ينقبض وينبسط مع فيما يسمى بالهوية، الأنا، الروح التي نستمد منها ثقافتنا وتراث حضارتنا، فإن الهوية لها عدة سمات، ومن سماتها وأبرز ملامحها هي اللغة، فإن أردت أن تنظر في تطور أمة وشعب فانظر إلى كيف تقدس لغتها، وكيف توظف لغتها في هويتها وأناتها وكيف تدمج بين عامل الثقافة وعامل التطور.
بصفة عامة فقد أصبح الوضع بالنسبة إلى المجتمعات النامية أنها ليست سوى مجتمعات استهلاكية للغرب، حيث أصبحت الهيمنة الثقافية الكبرى تسيطر على أقل تفاصيل الحياة في هذه المجتمعات، لذلك تكون السيطرة الثقافية أمرا سهلا ويسيرا لهم في فرض تقليعات فكرية على عقول أفراد المجتمعات الاستهلاكية، حيث تنجح المجتمعات المتقدمة في السيطرة وإبعاد هؤلاء الأفراد عن هويتهم.
بالنسبة إلى مجتمعاتنا، فإن العربية هي لغتنا وهويتنا وأصالتنا، فالعربية هي من اللغات السامية الأصيلة، وبها نزل القرآن الكريم، فهي تتميز بالقداسة وتنوع الألفاظ والأصوات والمخارج.
لقد أصبحت هذه اللغة مهددة بهذا النوع من التنميط الثقالغوي، فانقسمت لشطرين، شطر يجاري ثقافة الأصالة والتراث والتمسك باللغة العميقة والثرية والصعبة وقسم آخر لجأ إلى استحداث لغة عربية ذو نمط مبسط حر حديث، وهؤلاء من أنصار الشعر الحر الحديث.
الأثر الملموس في كلا الوجهتين واضح السمات، فنلاحظ أن هناك وجهه وتيار متجذر بطابع الهوية والأصالة والآخر يدعو للحرية والتفسخ من العقد والألفاظ الصعبة!
حتى من حيث التركيب الثقافي وبنيتها هناك وصمة خاصة لكلا الوجهتين، فالأولى أصولية أما الاخرى، التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فهي بداية التمرد على الدين وعلى طابع العادات والتقاليد والأعراف. والأمر واضح جدا مع بعض شعراء الشعر الحر كجبران ونازك الملائكة ونزار قباني وغيرهم، من الذين دعوا دعوة واضحة وصريحة إلى الانطلاق في الحياة وأحيانا التفسخ من القالب التقليدي الرتيب، بينما في شعر القافية والشعر العربي الفصيح نجد أنه مترع ومزخم بقالب الأصول وسمات الهوية العربية السائدة لكل عصر.