- العقيلي: سُمي شهر القراء وفيه ترتاح النفوس على طاعة الرحمن
- الناشي: شُرع فيه ما يشرع من الشهر المبارك من صيام وقراءة القرآن
ونحن على مشارف شهر شعبان، ذلك الشهر الذي له فضل كبير ومنزلة عظيمة، والذي خصه الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الصيام فيه، نتعرف عن خصائص هذا الشهر العظيم والحكمة من كثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم فيه والأحاديث الدالة على ذلك.
عن فضل شهر شعبان والأعمال المستحبة فيه يحدثنا الداعية يحيى العقيلي فيقول: هذا هو شهر شعبان قدم علينا بشارة بقدوم شهر رمضان المبارك، بلّغنا الله وإياكم صيامه وقيامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده بالصيام لأنه شهر ترفع فيه الأعمال الى الله تعالى. قال اهل العلم ترفع فيه أعمال العام المنصرم وخير حال المرء أن يرفع عمله وهو صائم، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» (حسنه الألباني عند النسائي). وفي رفع العمل لله تعالى وقبوله قال الله جلّ وعلا: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور).
عن عائشة رضي الله عنها قالت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان» (متفق عليه).
وفي رواية لأبي داود برقم 2076 قال: كان أحب الشهور الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان (صححه الألباني، انظر صحيح سنن أبي داود 461/2). قال ابن رجب - رحمه الله: «صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض».
وقال رحمه الله كذلك «صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام، ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط (لطائف المعارف 138).
مقدمة لشهر رمضان
وزاد: ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، وكان يقال: شهر شعبان شهر القراء، فاغتنموا عباد الله شهركم، وتحروا اسباب رفع العمل وقبوله عند الله تعالى من الإخلاص لله تعالى كما أمر جلّ وعلا وقال (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)، وتحقيق التقوى لله تعالى فإنما يتقبل الله من المتقين، وتجنب الشحناء مع المسلمين ذلك ليكون صومنا مقبولا وعملنا صالحا مبرورا.
أحسنوا وفادة شهركم هذا، وأكرموا ضيافته، واقتدوا بنبيكم في تعاهد صيامه وتحري رفع العمل فيه، رجاء كرم الله تعالى وغفرانه، وأحسنوا الظن بربكم جل وعلا فإنه ودود كريم، شكور رحيم، لا يضيع أجر من أحسن عملا، قال سبحانه (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون - الأنبياء: 94)، وأصدقوا في توبتكم لله تعالى في شهركم، فهي خير خاتمة لعامكم الذي مضى وتهيأوا لقدوم رمضان بحسن الإعداد والاستعداد لصيامه وقيامه والعمل الصالح فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يطلع الله عزّ وجلّ على خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن»، سئل الشيخ الشنقيطي: بماذا تنصحني لاستقبال مواسم الطاعات؟ فقال: خير ما يستقبل به مواسم الطاعات «كثرة الاستغفار»، ويجب التنبه إلى ان من بقي عليه شيء من رمضان الماضي يجب عليه صيامه قبل ان يدخل رمضان القادم، ولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة (مثل العذر المستمر بين الرمضانين)، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام مسكين عن كل يوم، (وهو قول مالك والشافعي وأحمد).
شهر ترفع فيه الأعمال
ويضيف الباحث الشرعي م.سالم الناشي: لما اعتبر شعبان مقدمة لرمضان فقد شرع فيه ما يشرع في الشهر المبارك من صيام وقراءة للقرآن ليتحقق التأهب والتأهل لشهر رمضان، وحتى تروض النفس على الطاعة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم فيه ويغتنم الوقت، وقت غفلة الناس، وقد كان هذا دأب أصحابه من بعده، إذا دخل شعبان أقبلوا على مصاحفهم فقرؤوها حتى إنهم كانوا يقولون عنه إنه شهر القُراء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه.
عن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
لأنه بين شهرين عظيمين، فاشتغل الناس بهما عن الأقل شهرة مع عظمه، وفيه إشارة الى الحرص على استغلال أوقات غفلة الناس بالطاعة، وجعل من فضل هذا الشهر انه ترفع فيه الأعمال السنوية، وفيه تعود النفس والبدن على الصيام، وقراءة القرآن والطاعة، وسمي بشهر القراء.
وقال الإمام ابن القيم، رحمه الله، وفي صومه صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره ثلاثة معان: أحدها: انه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغل عن الصيام أشهرا، فجمع ذلك في شعبان، ليدركه قبل الصيام الفرض. الثاني: انه فعل ذلك تعظيما لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيما لحقها. الثالث: أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم ان يرفع عمله وهو صائم. وعن كثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر قالت عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان».
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة الى النبي صلى الله عليه وسلم ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها».
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام النصف الثاني من شعبان، فقال: «إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا» وفي حديث آخر: «لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان»، وفي ليلة النصف من شعبان يغفر الله الذنوب لجميع خلقه، إلا المشرك بالله، والمشاحن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «يطّلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك او مشاحن». صححه الألباني. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصل رمضان بشعبان صياما، فقال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة، أو ظلمة، فأكملوا العدة، عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان».
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم إكمال عدة شعبان، أي أيامه إذا لم ير هلال رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام، ونهى عن صيام الشك، فقد كان بعد الصحابة عند عمار بن ياسر في اليوم الذي يشك فيه من شعبان او رمضان، قالوا: «فأتيناه بشاة مصلية، فتنحى بعض القوم، فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام هذا اليوم، فقد عصى أبا القاسم». وأكد أن الصيام في شعبان له ثواب كبير وأجر وافر، فالصيام والقرآن يشفعان للإنسان يوم القيامة ومن حكم تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم شهر شعبان بكثرة الصيام انه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، ولا شك في أن العبادة في أوقات الفضلة تكون أكثر ثوابا وتكون لها أهميتها بدلالاتها على الإخلاص وزيادة التقرب الى الله تعالى، وكذلك من الحكمة من اختصاص شهر شعبان بالعبادة فذلك لأنه شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين. وهكذا نرى ان لشهر شعبان منزلة كريمة وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح السبب في كثرة صيامه في هذا الشهر.
حكم الصيام بعد منتصف شعبان
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اذا انتصف شعبان فلا تصوموا» وهو حديث صحيح، فالذي لم يصم أول الشهر ليس له أن يصوم بعد النصف، لهذا الحديث الصحيح، وهكذا لو صام آخر الشهر ليس له ذلك من باب أولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه»، والذي له عادة لا بأس، إذا كانت عادته ان يصوم الاثنين والخميس فلا بأس أن يصوم، أو عادته يصوم يوما ويفطر يوما لا بأس.
أما أن يبتدئ الصيام بعد النصف من أجل شعبان فهذا لا يجوز، أما لو صام بدءا من اليوم الثالث عشر او الرابع عشر، أو الخامس عشر أو... فلا بأس، لأنه أكثره إذا صام كله او أكثره فلا بأس، أما إن كونه يفطر النصف الأول ثم يبدأ بالصيام هذا هو المنهي عنه.