هل نتذكر يوم 25 يناير 2011، هذا اليوم التاريخي الذي شهد بداية انتفاضة الشعب المصري التي قام بها من سباته العميق في ثورة مجيدة أطاحت بمبارك ونظامه الفاسد، فبعد صبر طويل على الظلم والقهر والفقر والاستعباد، رفض المعدن المصري الأصيل أن يواصل صمته، وكسر حاجز الخوف وخرجت الملايين تزأر في شجاعة متناهية غير مبالية بالموت، وقالت بأعلى صوت لها: كفى.. صبرنا أعواما طويلة ولن نصبر بعد اليوم، لا بد من التغيير.. ولكن ما هو هذا التغيير الذي كان يفكر فيه الشعب المصري؟ لماذا خرجت الملايين تحمل أكفانها على أيديها تنادي بسقوط مبارك ونظامه البائد؟ لماذا هتفت الحناجر الطاهرة عيش..حرية..عدالة اجتماعية؟ لماذا وقف الشباب بصدورهم العارية في وجه الرصاص مستقبلين الاستشهاد بروح راضية؟ هل فعلوا ذلك من أجل أن يأتي الإسلام السياسي متمثلا في الإخوان المسلمين إلى الحكم؟ بالتأكيد لا، لم يكن في مخيلة من بذل دماءه الطاهرة أن الحكم سيتحول من «وطني» إلى «إخواني» وإلا لما خرج من بيته ولفكر مليون مرة قبل أن يثور، هل خرج الشعب المصري عن صمته لأنهم كرهوا حسني مبارك لشخصه فقط، وأرادوا إعادة إنتاج نفس النظام البائد ولكن في صورة جديدة كالفريق أحمد شفيق أو السيد عمرو موسى مثلا؟ بالتأكيد أيضا لا، لم يدر بخلد الشباب إطلاقا أن يعيد إنتاج نظام مبارك من جديد..إذن ماذا كان يريد المصريون الثائرون؟
كم أنت جميل أيها الشعب المصري، وصبور، بعد ثلاثين سنة من تحمل الظلم والعناد والقهر والفقر والتعسف في ظل مبارك ونظامه، أردت أن تثور.. وكان لك ما أردت، وصدق المؤرخ الإغريقي هيروديت في مقولته الشهيرة: «مصر مقبرة الغزاة»، فمن الممكن أن يصبر المصريون على الظلم في انتظار أن ينفرج الحال، ولكن احذر الحليم إذا غضب، لقد غضب المصريون، واستقبل مبارك هذا الغضب بلا مبالاة، لم يقدر أن يقرأ تاريخ بلد حكمه ثلاثين عاما، بلد كان مقبرة لمن يريد أن يستعبده على مر العصور منذ الهكسوس وحتى الإنجليز، ولقد أراد الشعب أن ينهي حالة الظلم والقهر التي يعيشها على أيدي مبارك ونظامه، وبدلا من أن يعرف مبارك أخطاءه ويستجيب لثورة شعبه، واجهه بعناده المعتاد والمستمر منذ سنوات طوال، ولكن هيهات أن يستسلم المصريون من جديد لقد خرج المارد من قمقمه ليرتاح من ظلم السنين، ليغير أحواله التي لا يرضى عنها أحد، فكان له ما أراد، وها هو قد أزاح مبارك بإرادته القوية، وقام بانتخابات رئاسية ليختار رئيسه لأول مرة في تاريخه منذ الفراعنة بإرادة حرة، لم ينتفض ليأتي بالإخوان الى الحكم، ولا أن يعيد نفس الأشخاص الذين كانوا محيطين بمبارك إلى سدة الحكم مرة أخرى، وإنما ثار من أجل أن يشعر بحريته، ليتنفس هواء نقيا في بلد يستحق أن يعيش أهله بكرامة وأن يحكمه واحد منه، لا أن يفرض عليه رئيس من أي طائفة غصبا عنه، لقد ولى هذا العهد ولن يجبر المصريون على شيء، انتهى هذا الزمان وكتب المصريون تاريخهم بأيديهم، واختاروا رئيسهم بإرادة حرة ونزيهة، فليأت هذا الرئيس الذي نتمناه أن يكون «واحد مننا»، من الشعب ذاق مرارة الظلم واشتاق للحرية ليحقق العدالة ويحطم الديكتاتورية، ننتظر ماذا يكشف لنا صندوق الاقتراع، وندعو الله من قلوبنا أن يرتاح الشهداء في قبورهم وتهدأ دماؤهم الثائرة، اللهم ول علينا من يصلح.. وحفظ الله مصر.
[email protected] - [email protected] - @masri77