بقلم: طارق محمد الفريح
يرى البعض من دعاة الظلام وليس الإسلام في عالمنا المعاصر أن الفلسفة والتفكير طريق التشكيك والكفر، ويجب على الإنسان أن يكتفي بما يملى عليه، وأن يلزم العقل مكانه في قلب الجمجمة بلا حراك، ويحق لهم استخدام أدوات المسلخ في بتر أطرافه كلما حاول التسلل للاكتشاف، معتقدين وفقا لعقليتهم الناقصة أنهم يملكون الحق في التسلط، وقطع الأعناق والألسن، وسحق كل ما من شأنه أن يزلزل أركان مفاهيمهم الخاصة، وكأنهم يعلمون مسبقا أن النتيجة الحتمية لمبارزة مفاهيمهم المغلقة مع التفكير والفلسفة هي الهزيمة، لأن الطبيعة الإنسانية في هذا الشأن تقوم على مبدأ الثقة بالنفس والنقاش وتبادل الأفكار والحجة بالحجة، فأين الثقة بما يدعون؟
يقول الشيخ والمفكر اللبناني الراحل نديم الجسر «الفلسفة بحر على خلاف البحور، يجد راكبه الخطر والزيغ في سواحله وشطآنه، والأمان والإيمان في لججه وأعماقه»، فمن حق كل إنسان أن يبحث ويقرأ ويفكر ويستنتج في موروثه ودينه وما حوله، بل لزاما عليه ذلك، حتى يستطيع التغلغل في أعماق الإيمان، واكتشاف سهولة الدين وكيفيته وارتباطه الوثيق بالحياة الطبيعية وبساطتها وتطورها وحكمتها، والنظام الكوني الرهيب وتعقيداته المتقنة، وقوة وجمال الخالق سبحانه، وحقيقة الإنسان ودوره والكائنات الأخرى في الأرض، فالعقل كان ومازال سيبقى النعمة العظمى التي وهبها الخالق للإنسان، وإني لأعجب بعد كل هذا بظهور من يدعو لإلغائه، بل وتحويله إلى مجرد قطعة، لا حول لها ولا قوة.
إن الجنس البشري خلق ليعبد ويعمر ويطور، خلق بنظام إعجازي ودقة رهيبة، خلق ككائن تلقائي يتأثر بالبيئة ويؤثر فيها، قابل للتكيف مع كل شيء، مرن ومتبدل ومختلف الصفات والأفكار والنظريات، يستفيد أثناء حياته من كل شيء في الأرض، وعندما يموت تستفيد الأرض من رفاته واختراعاته، وهكذا تستمر دورة الحياة، ولكن المحزن والمؤلم أن الإنسان في أمتي يدفن وهو حي في قبور الأحياء، ويدفن في الأرض بعد الممات، دون أن يترك أثرا واحدا للأرض ولمن خلفه، أما الأمم الأخرى فيعيش الإنسان فيها حياته كاملة، حياة مليئة بالعلم والاكتشاف والصناعة والابتكار والإبداع، مليئة بالاستمتاع بمقدرات الأرض والحياة، وبعد مماته يبقى حيا في إنجازه، خالدا أبد الدهر في وجدان البشرية.
[email protected]