بقلم: طلال الرواحي
ها أنا ذا أعود لك كما وعدتك الأسبوع الماضي لأستكمل معك قارئي الرائع آخر الهمسات. ولننتقل أخيرا أنا وأنت أيها المؤثر للمؤثر الأخير البيئة، وسنبدأ هذه الفقرة بهذه القصة الجميلة للشاعر علي بن الجهم الذي كان يعيش في بيئة صحراوية لا يوجد فيها إلا التيوس والكلاب والدلاء وغيرها، وفي يوم من الأيام سمع هذا الشاعر أن الخليفة العباسي المتوكل يعطي العطايا لكل شاعر يتفنن في مدحه، فقال بطل قصتنا هذه أنا شاعر فحل سأذهب إلى الخليفة وأمدحه، وسأنال الهدايا والعطايا بعدها، وعندما وصل شاعرنا لمجلس الخلفاء وبدأ الشعراء يمدحون الخليفة فالأول يقول: أنت شمس والملوك كواكب والشاعر الثاني يقول أروع مما قاله الشاعر الذي سبقه ليصل الدور عند علي بن الجهم ليبدأ في مدح الخليفة فبدأ بشعره الذي يقول:
أنت كالكلب في حفاظك للود
وأنت كالتيس في مقارعة الخطوب
وأنت كالدلو لا عدمتك دلوا
كبير الدلاء عظيم الذنوب
وظل شاعرنا يمدح الخليفة هكذا يشبهه تارة بالكلب، وأخرى بالناقة والخليفة يتحرك من كرسيه من قمة الإحراج، والسياف يستل سيفه ليقتل هذا الشاعر المجنون (أريد منك عزيزي القارئ هنا أن تتخيل ذلك المشهد أمام عينيك) وعندما اقترب السياف ليقتل الشاعر قال له الخليفة: توقف إن هذا الشاعر شاعر فحل، والبيئة هي التي أثرت فيه، ولذلك خذوه واجعلوه يسكن في قصري في الرصافة لتؤثر فيه البيئة الجديدة، وعاش الشاعر هناك لمدة أشهر وفي إحدى الليالي التي جمع فيها الخليفة شعراءه ووزراءه قال لجنوده: احضروا لي علي بن الجهم، وعندما حضر قال له: قل شعرا الآن فقال:
عيون المها ما بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن إلى الشوق القديم ولم أكن
سلوت عنه ولكن زدن جمرا على جمر
ألا تلاحظ عزيزي القاري هنا ان صفات الكلب والتيس والدلو اختفت؟ يا ترى لماذا؟
والجواب بمنتهى البساطة عنوان مقالنا اليوم حتما الشاعر تأثر بالبيئة الجديدة في قصر الرصافة حيث رأى المها والجسر وغيرها التي ظهرت جليا في شعره الجديد متخلصا من تأثير بيئته القديمة، وما تحتويه والآن أتى دورك أنت أيها القارئ المنتفع بكل ما تقرأ أريدك أن تختار البيئة الابداعية المناسبة لك لكي تكون أكثر ابداعا، ولتستفيد من هذا التشبيه بأن الجوهرة لو وضعتها في الوحل أو الطين فلن تلمع أبدا لأن البيئة ستؤثر بها سلبا، وأما إذا أخرجتها ونظفتها ووضعتها في مكان يوجد به أضواء ونظيف فستلمع مباشرة وتسحر كل من ينظرها فأنت أيها الرائع كهذه الجوهرة لابد لك أن تكون في بيئة يتواجد بها عدة جواهر أخرى وأرجو أن تكون أنت أكثر هذه الجواهر لمعانا.
هنا أوجه نصيحة للشباب الذين يسافرون لبلاد الغرب من أجل الدراسة ويتأثرون بسلبيات البيئة الجديدة متناسين الهدف الذي اغتربوا من اجله ويكون سببا لضياع مستقبلهم، أقول لهم خذ المفيد والنافع وابتعد عن كل ماهو فاسد وكن أنت المؤثر وليس المتأثر.
الهمسة الثالثة: عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال: لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم أي حكما فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة» - متفق عليه. واترك لك عزيزي القارئ ربط هذا الحديث بموضوعنا، وفي الختام أظنك تأثرت عزيزي الرائع من كلمات هذا الموضوع، وخصوصا همساته الثلاث، أتمنى لك مؤثرات ايجابية تسعد وتنعم بها في حياتك بإذن الله.
[email protected]
http://twitter.com/alrawahitalal