تمر السنوات تلو السنوات وتزيد معها الأسعار وغلاء المعيشة ورواتب موظفي القطاع العام ثابتة لا تتحرك وكأنها جسد ميت تأكله الأقساط شهريا، فلا تجد موظفا حكوميا أو أسرة كويتية إلا وعليها أقساط شهرية قد تستهلك أكثر من 40% من دخلها الشهري من غير دفع الإيجارات الشهرية بسبب عدم حصول الأسرة الكويتية على منزل حكومي إلا بعد مضي أكثر من خمس عشرة سنة على تقديم طلبها الإسكاني، وغير المبالغ التي تدفعها الأسرة لشراء الاحتياجات المعيشية من الجمعيات التعاونية التي للأسف أصبحت اشد غلاء من الأسواق المركزية الخاصة بسبب انحراف سير هذه الجمعيات التعاونية عن فكرة إنشائها الأساسية المتمثلة في إيجاد مقار لبيع السلع الاستهلاكية والغذائية بأسعار تنافسية رمزية لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين مساهمي الجمعية.
ومنذ سنوات نسمع بين وقت وآخر عن نية الحكومة إعادة النظر في سلم الرواتب لكافة موظفي القطاعات الحكومية، ولكننا لم نر أي شيء فعلي حتى الآن بل شاهدنا قيام الحكومة بزيادة رواتب قطاعات البترول والقضاء والسلك العسكري سواء الشرطة أو الجيش وإقرار كوادر مالية لبعض الوظائف مثل المهندسين والمحاسبين والقانونيين، ما جعل هناك تفاوت كبير بين رواتب موظفي الدولة نتج عنه خلل في سلم الرواتب المتهالك أساسا. قد يقول البعض إن الحكومة تعمل فعليا على تعديل سلم الرواتب ليتوافق مع الارتفاع السنوي للمعيشة من خلال تبني فكرة البديل الاستراتيجي، وقد صرح وكيل ديوان الخدمة المدنية محمد الرومي بأن هذا البديل سيطبق في عام 2017 وهو يعتبر أحد الحلول العلمية الذي يمثل نهجا موضوعيا للوصول إلى التوازن، إضافة إلى تحقيق مبدأ عدالة توزيع الرواتب والمزايا والتعويضات المالية.
ونحن نقول إننا أصبحنا حائرين من كثرة تصريحات مسؤولي الدولة فمنهم من قال إن هذا البديل الاستراتيجي لن يزيد من الرواتب الحالية بل سينظمها، ومنهم من قال إنه سيزيد الرواتب المتدنية فقط، ومنهم من قال إنه سيعمل على إعادة النظر في توزيع الكوادر المالية. فهذه التصاريح المتضاربة ذكرتنا بحوار الممثل عبدالحسين عبدالرضا عندما قال «بيض الخفقع وبيض الخفنقع»، وهذا يؤكد أن البديل الاستراتيجي مبهم وغير واضح إلا عند من وضعه فقط لحاجة في نفسه، وسوف يؤدي تطبيقه إلى ظهور مشاكل نحن في غنى عنها. فلماذا لا تقوم الحكومة بزيادة رواتب الموظفين حالها حال دول الخليج العربية التي زادت رواتب موظفيها بما يحقق لهم الرفاهية؟ هل السبب تضخم ميزانية الباب الأول والخوف على استنزاف المال العام؟
إذا كان الجواب نعم، فنقول أين الخوف على المال العام من الأموال التي دفعت لنواب بما عرف بفضيحة الإيداعات المليونية؟ أين الخوف على المال العام من المليارات التي خصصت للتنمية في الحكومات السابقة وظلت هذه التنمية حبر على ورق في الوقت الذي اختفت فيه هذه المليارات؟ أين الخوف على المال العام من اختلاسات التأمينات الاجتماعية؟ أين الرقابة الحكومية على أموال التأمينات التي نهبت؟ لماذا يشعر البعض بالخوف على المال العام إذا تعلق الأمر بمعيشة المواطن العادي؟ لماذا يصرخ البعض ألما على المال العام إذا أراد الموظف العادي زيادة راتبه الشهري ليتواكب مع ارتفاع الأسعار؟
لماذا يولول البعض خوفا على المال العام إذا طالب المواطن بزيادة قرضه الإسكاني من 70 ألفا إلى 100 ألف، ثم يسارعون في تأييد فكرة أن تكون زيادة القرض الإسكاني على شكل دعم مادي لمواد البناء المشتراة فقط من الشركات التي تفوز بالمناقصة؟ أين خوفهم على المال العام من زيادة هذا الدعم؟ أم لأنه في صالح تجارتهم الخاصة يؤيدونه؟. أسأل الله تعالى الستر والعافية.al_sahafi1@