«الشباب شعلة من الجنون» مقولة تحاكي الواقع وتبسط الحال لمرحلة الصبا المفعمة بالطاقة والمشحونة بالأفكار الحادة التي لا ترضى بالتقارب ولا نقاط الالتقاء، بل تنظر إلى خيار السلم وتقديم الأمن على أنه ركون للدنيا وتثاقل إلى الأرض، هي مرحلة تجارب مجهولة وأهواء متلاطمة يغذيها الفضول والاستكشاف وأحيانا النظر القاصر والحظ العاثر، وهي أيضا محطة للترقي والاختيار واكتساب الخبرة وصنع الآراء وتبني الأفكار، يطبعها الجنوح نحو إثبات الذات والميل طورا تجاه البطولات الزائفة والميادين التي تزل فيها الأقدام وتعطب من هولها الأرواح والمهج، وطورا آخر في ساحات الشرف دفاعا عن البلاد والعباد والحرم.
كثير من الشباب يمتلئ بالحماس المفرط لما يؤمن به أو بالأصح لما لقنه أولا ثم آمن به، وهذا لا غبار عليه طالما لم يؤد به إلى الإقصاء وحمل السلاح، فالشاب يسرع إلى التأثر بالأطروحات التي تمايزه عن الآخرين وتصنع منه «بطلا» قطنيا يرى أن مصير الأمة وقفا على «بطولاته» التي يسفك طلبا لها الدماء المعصومة وينتهك بها الحرمات، ولذا تجد بعض الشباب نهبا للحركات الإرهابية والثورية تتخطفهم ببريقها الذي يخفي خلف أستاره الدمار والبوار، وليس عجبا أن تجدهم أيضا يذرون ما هم عليهم ليصيروا إلى نقيضه في أثناء جلسة واحدة تخاطب فيها عواطفهم وتغيب عقولهم، وذلك لقلة خبرتهم وضعف تجاربهم وأحيانا حسن طويتهم.
كلما تقدم بك العمر أيها الشاب ستجد أنك تميل إلى تغيير كثير من آرائك التي كنت لها تتحمس ومن أجلها تناكف الآخرين بما في ذلك الدائرين حولك، وستدرك أن الأمر أوسع من الضيق الذي أحطت به نفسك وعزلت به عن الصواب عقلك، وما كان مفصليا بالأمس غدا ثانويا اليوم، وحسبك أن تعي الآن قبل أن تقع الواقعة التي تأسرك في سخط الله ولعنة الناس أن الاعتدال لا يعد تنازلا وأن الرغبة في الحياة ليست مهانة وضعفا كما تتوهم، لتضع في حسبانك أن الآراء تتباين وأن الأفهام تتعدد، وكل فريق لديه جانب من الحقيقة وشيئ من ظلها ولن تكون أنت أو القلة التي تنتمي إليها الاستثناء الذي يحتكر الحقيقة كاملة ويوزع صكوكها على الثلة المتبقية.
mohd_alzuabi@