بيروت ـ عمر حبنجر
«يوم الغضب» الذي أعلنه الحراك الثوري امس حقق غرضه، وطارت الجلسة التشريعية التي دعا رئيس المجلس نبيه بري لعقدها بأجنحة النصاب الذي احبطه الحزام البشري الذي ضربه الثوار حول مداخل ساحة النجمة، حيث يوجد مبنى مجلس النواب، واقاموا حواجز تفتيش بالنظر لسيارات الاسعاف والشرطة تحسبا لنقل النواب بهذه الطريقة، على ان اثنين من النواب الذين تسنى لهم الوصول، وهم بعدد اصابع اليد الواحدة، هما عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار وعضو حركة امل النائب محمد خواجة، اضطرا لاستخدام الدراجات النارية، جالسين خلف سائقها، وقد اعتمر النائب خواجة قبعة راكبي الدراجات للمزيد من التمويه.
وكان الانطباع بداية ان الحراك لن يستطيع اطاحة الجلسة التشريعية مرة ثانية كما حصل قبل اسبوع، تبعا لحجم الحشد العسكري والامني المنتشر في منطقة البرلمان، والمزود بالعوائق الحديدية والاسلاك الشائكة، وقد توزعت القوى المزودة بالعصي على صورة خطوط متتالية، الاسلاك والعوائق اولا وخلفها قوات مكافحة الشغب الامنية وخلف هذه القوات تمركز الجيش الذي فضل ان يتولى الامن الداخلي مواجهة المتظاهرين الذين قابلوا هذا التموضع بوضع النساء والفتيات في الخط الامامي وخلفهم الرجال تجنبا للصدام مع الامن، وهكذا لم تحصل مصادمات خطيرة، انما مجرد عراك حول بعض المنافذ، اضافة الى اطلاق النار في الهواء من جانب احد مرافقي نائب من اثنين: علي حسن خليل (وزير المال) وسليم جريصاتي (وزير شؤون رئاسة الجمهورية)، مع العلم ان كلا الرجلين نفيا ان يكون مرافق احدهما هو من اطلق رشقات نارية من نافذة سيارته لابعاد متظاهرين هبوا للانقضاض على سيارته.
وكان رئيس المجلس نبيه بري وصل الى مكتبه قبل السادسة صباحا وكذلك النائب ابراهيم كنعان، وقد ظن المتظاهرون ان السيارة التي اطلقت النار من موكب الوزير جبران باسيل، فارتفع الهتاف لسقوط «حكم الازعر» وان «الشعب يريد اسقاط النظام» مصحوبا بالقرع على الطناجر و«الدربكات»، وسرعان ما هدأ الصخب بعدما تبين ان الوزير باسيل لم يكن في وارد الحضور اصلا.
وكان نواب تيار المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي ابدوا عزمهم حضور الشطر الاول من الجلسة المخصص لانتخاب اعضاء اللجان النيابية ورؤسائها، على ان ينسحبوا قبل انتقال المجلس الى تشريع البنود الأخرى وضمنها قانون العفو الذي ينطوي على نصوص مشكوك بشرعيتها كالعفو عن المطلوبين للعدالة وليس المحكومين وحسب، اي الذين لم يحاكموا ولم تصدر بحقهم احكام، ولكن بعدما بدا متعذرا الوصول الى المجلس اعلنوا مقاطعة الجلسة.
ووصف ناشطون الطبقة الحاكمة بـ «المافيا السياسية الفاسدة والتحالف مع بعض الامن وبعض القضاء غير المستقل».
ولوحظ غياب نواب الكتل القريبة من سورية عن المشهد الذي كسر فيه الحراك الثوري الكثير من القواعد السائدة، كنواب القومي السوري وتيار المردة واللقاء التشاوري السُني، وقد رد ذلك الى التصريح الاخير للرئيس السوري بشار الاسد والذي نوه فيه بأداء الحراك الشعبي في لبنان.
احد الحراكيين البارزين العميد المتقاعد جورج نادر شوهد، بعد تأجيل الجلسة النيابية وانفضاض الحراك، امام مجلس النواب، وبسؤاله قال: جئت اقول للنواب ان النائب الذي يمتطي الدراجة ويهرب، والنائب الذي يتنقل بسيارة تاكسي، والنائب الذي يطلق النار على الناس من خوفه، كان عليه ان يخاف من ناخبيه الذين سقطت شرعيته عندهم.
وتوجه الى مجلس النواب بالقول: نحن لم نسقط شرعيتك، شرعيتك انت فقدتها، ولا يمكنك استعادتها الا بعد تشريعك مطالب الناس الذين مضى على وجودهم في الشارع شهرا وخمسة ايام، شرعيتك عندما تسمي رئيسا للحكومة نزيها ونظيفا وليس من هذه الطبقة الحاكمة، عليكم الاتيان بحكومة تكنوقراط واجراء انتخابات نيابية مبكرة، ولن نخرج من الشارع.
وقال احد المتظاهرين الآتين من البقاع: عندما تصبح مياه نهر الليطاني الملوث صالحة للشرب تصبح الطبقة السياسية اللبنانية صالحة للحكم.
والسؤال الذي طرح نفسه بعد هذه التسديدة التعطيلية للحراك الثوري في مرمى الطبقة الحاكمة على ملعب مجلس النواب، كما قال احد نواب حركة امل في دردشة مع «الأنباء»: نحن الآن اشبه بملاكمين، يدوران حول حلبة الملاكمة، وبالتالي الملاكمة لم تبدأ بعد.
واي نوع من الملاكمة يتوقع؟ قال: الملاكمة بالدولار والسلاح الاقتصادي. حكوميا، لا موعد للاستشارات النيابية الملزمة، وتقول مصادر بعبدا ان الملف الحكومي يحتاج الى وقت اطول، فالصورة مازالت غامضة حول اسم الشخصية التي سيؤول اليها التكليف بتشكيل الحكومة، ويبدو ان حماسة الفريق الرئاسي لتكليف سعد الحريري خفّت بعد الملابسات التي احاطت بترشيح محمد الصفدي قبل انسحابه تحت ضغط ملفات الصفقات التي فتحت في وجهه، الى درجة اعلان النائب حكمت ديب عضو كتلة التيار الوطني الحر انه لن يعطي الثقة للحريري، حتى لو قرر تكتله ترشيحه، متهما الحريري ـ عبر قناة «الجديد» ـ بالفساد ونكران الجميل، بنسيانه موقف الرئيس ميشال عون ابان ازمة استقالته من الرياض.
وقد رد عليه النائب «المستقبلي» السابق مصطفى علوش، من المنبر نفسه، واصفا كلام ديب بالتافه، مستغربا كيف يعقد الرئيس عون صفقة سياسية مع فاسد؟! ولوحظ ان اكثر من مهيأ لتشكيل الحكومة جرت مفاتحته بالتكليف، اعتذر عن القبول، ليس احتراما لمشاعر الناس او وفاء للحريري، انما لوجود ملفات فساد في سجله السياسي يخشى ان يفتحها الحراك الشعبي في وجهه كما حصل مع الصفدي.
وأمس، عقد اجتماع مهم في العاصمة الفرنسية باريس بين مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر ونظرائه في الخارجيتين الفرنسية والبريطانية للبحث في اوضاع المنطقة وخصوصا لبنان، حيث الوضع يزداد تأزما، حيث يعتقد الغربيون ان لبنان بحاجة لدعم فرنسا.
ويبدو ان ثمة من يتريث في تحريك الملف الحكومي للوقوف على ما سيتقرر في اجتماع المسؤولين عن ملفات الشرق الاوسط ولبنان في واشنطن ولندن وباريس.
لكن هذا التريث لم يخفف من حملة اعلام التيار الوطني الحر على الرئيس سعد الحريري الذي اتهمته اذاعة «صوت المدى» الناطقة بلسان التيار بـ «الانقلاب على الاتفاق الذي أُبرم مع الوزير السابق محمد الصفدي».