بيروت - جويل رياشي
صح أم خطأ؟ سؤال ينبغي أن يطرح قبل التسليم بأي معلومة أو خبر نتلقاه. الأكيد ان غالبيتنا لا تفعل ذلك، ولعل المعارك التي تخاض يوميا ضد الاخبار الزائفة ليست كافية لمنع التضليل. ولا شك أيضا أن أزمة كورونا التي يعيشها العالم هي من اكثر الأزمات التي شهدت ولا تزال فبركة أخبار حققت أرقاما قياسية من المشاركات والتعليقات.
«الأنباء» تحدثت الى الصحافي والمدرب في مجال التحقق من المعلومات محمود غزيل للوقوف عند رأيه بـ «جائحة» الأخبار الزائفة التي تشكل احدى جبهات معركة التصدي لفيروس كورونا المستجد.
يبدو ان الأزمات ارض خصبة للأخبار الزائفة، وقد اختبرنا ذلك في لبنان منذ شهور، ما رأيك؟ وأين تجلت هذه الظاهرة اكثر في الأزمة السياسية أم في الجائحة الصحية؟
٭ بحكم عملي الصحافي ومتابعتي الحثيثة لمنصات التواصل، يمكن القول إن الأخبار الزائفة، لا بل المغلوطة لا تتوقف بتاتا عن الظهور، إلا أن نسبة تواترها واختلافاتها ترتفع في خضم الأزمات. فقد شهد لبنان منذ انطلاقة تظاهرات 17 أكتوبر كمية وافرة من الأخبار المغلوطة التي لم تتوقف يوما، بخاصة وسط تطورات المسارات السياسية والاقتصادية التي يتخبط فيها البلد، إلا أن وصول فيروس كورونا في 21 فبراير غيّر معادلة تداول الأخبار، وانتقلت دفة الأخبار المغلوطة من كونها سياسية - اقتصادية إلى صحية بالنسبة الأعلى، وفيما كانت موجة الأخبار المغلوطة منذ أكتوبر تصوب السهام بشكل واضح على المسؤولين السياسيين والمؤسسات الرسمية والخاصة، إلا أن ما تم تناقله منذ فبراير الماضي حتى الآن بان أن غالبيته تعتمد على محاولة إيجاد غريم لتوجيه السهام إليه، وعليه، انتشرت بشكل واسع بالفترة الأولى للمرض فيديوهات وصور قديمة ومفبركة تنم عن العنصرية تجاه الشعب الصيني والعلاقة المفترضة في «تخليقه» للفيروس، ومع استمرار نفي الجهات المتخصصة الصحية حول العالم إمكانية أن يكون الفيروس تم خلقه داخل المختبرات، بات العالم اليوم يراقب تفشي الأخبار المغلوطة بكون شبكة الجيل الخامس 5G من ناشري الفيروس في الدول الأوروبية وشمال القارة الأميركية بشكل خاص.
من وراء الفايك نيوز؟ ومن هم ضحاياها؟
٭ تقف وراء الفايك نيوز جهات عدة تستغل الجو العام لتوقع الناس في الأفخاخ.
في الإطار الأول، يمكن وضع الجهات الحكومية التي تود استغلال نشر الفايك نيوز من أجل استهداف حكومات معادية، من أجل تسجيل نقاط وتأليب الرأي العام، أو ما يعرف بالـ propaganda.
في الإطار الثاني، يمكن وضع أولئك الذين يودون كسب المال من جراء نشر خرافات وأكاذيب، ويمكن أن تظهر تلك الأمور عبر إنشاء المواقع الإلكترونية أو المنتديات أو الفيديوهات التي تستفيد من مردود النقرات والإعلانات.
في الإطار الثالث، يمكن وضع الشخصيات المشهورة والعامة، غير المتخصصة، والتي تود أن تظهر أمام الناس أنها مدركة للأمور وأنها تشارك الناس بمعلومات يمكن أن تزيد من التفاعل على حساباتها عبر منصات التواصل، والتي عادة ما تلفق معلومات من شأنها منح إحساس النشوة السريعة بعدد الـ «لايك» أو «ريتويت».
في الإطار الرابع، يمكن وضع شخصية «المواطن المسكين» الذي يعمد إلى نشر المعلومات التي تصله عبر خدمات التراسل السريع، مثل واتساب، مصدقا ما يقرؤه من معطيات من دون إمكانية أن يحصل على تصحيح سريع لما يدخل في ذهنه، وتصبح لاحقا تلك المعلومات على لسان الناس في اللقاءات والأحاديث.
ما أبرز النصائح لاكتشاف الأخبار الزائفة؟
٭ هناك مقولة متداولة تاريخيا مفادها بضرورة عدم تصديق كل ما يسمعه المرء وضرورة أن يتم ترك مساحة للعقل والمنطق والتحليل.
وعليه، يجب الإشارة إلى ضرورة اعتبار أي خبر أو معلومة متناقلة، مهما كانت مكررة ومتواترة، خاصة عبر منصات التواصل، على أنها غير صحيحة حتى يتبين عكس ذلك عبر براهين وأدلة ومعطيات تكون مدعمة بتصاريح من الجهات الحكومية. وتبقى الطريقة المثلى هي عبر التواصل مع الجهات المختصة، وحتى الأجهزة الأمنية، التي من شأنها أن تعمل على ضبط ما يشاع من أخبار مغلوطة أو تصحيح ما تراه مناسبا. وتجدر الإشارة هنا الى أنه في خضم انطلاق معركة محاربة كورونا في البلدان العربية، عمد العدد الأكبر منها الى إنشاء أقسام خاصة داخل وزارة الداخلية أو الصحة لمتابعة وتصحيح المعلومات المتداولة بشأن فيروس كورونا لجهة كيفية الإصابة به، كيفية الوقاية منه، وأرقام المصابين والمشتبه بهم وغيرها من المعلومات التي تسهم في وأد انتشار الإشاعات التي لا أساس لها.
رأيك في ما تقوم به الصحافة المحلية وبعض الحسابات على «السوشيال ميديا» في مجال محاربة الفايك نيوز، خصوصا بعد تجارب عالمية ناجحة كـ Les décodeurs (لوموند) وAFP factuel؟
٭ على الصحافة اللبنانية أن تشحذ هممها وتستعيد دفة الإعلام المهني، إذ شهد القراء ومستخدمو منصات التواصل العديد من «الهفوات» التي حدثت في أكثر من دولة عربية حول مواضيع تتعلق بشكل خاص بفيروس كورونا، إن كان من خلال نشر صور وفيديوهات قديمة أو الترويج لنظريات مؤامرة غير صحيحة، أو من خلال نشر عناوين لا تمت لصلب الموضوع بصلة بهدف جذب النقرات.
وأثبتت التجارب أن القارئ ليس غبيا ويود الحصول دوما على معلومات إضافية. الأمر بالطبع يعتمد على الكثير من العناصر لاسيما القوالب الجذابة في العرض والسرد. وقد فتح افتقار الصحافة المحلية لمهارات الاستقصاء والتحقق المجال لمنصات عالمية للدخول في هذا القطاع وبات القراء يتلهفون لمتابعة أي منشور من الجهات التي تخصصت بدحض الشائعات والأخبار المزيفة والمفبركة، وبات عددها يتزايد يوما بعد يوم بحيث تكاد تلك المبادرات تغطي جميع الدول العربية. وانعكست رغبة القراء والمتابعين في متابعة تلك التجمعات الإلكترونية إلى مبادرة منصات التواصل الكبرى، أمثال فيسبوك، بالتعاقد معها، من بينها منصة «فتبينوا» باللغة العربية، من أجل المساعدة في الحد من انتشار الأخبار المزيفة بأسرع طريقة ممكنة.
هل تعتقد أن الخطوات التي اتخذتها فيسبوك وواتساب وانستغرام للحد من انتشار الاخبار المغلوطة كافية، علما ان هذه المنصات هي المسؤولة الاولى عن تفشي ظاهرة الفايك نيوز؟
٭ لا أستطيع توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى منصات التواصل في إطلاق ظاهرة الفايك نيوز، إذ إنها ظاهرة موجودة منذ العصور التي سبقت الانترنت، إلا أنها بالطبع ساهمت في تسريع عملية نشر المعلومات المغلوطة، مخترقة الحدود الجغرافية والطبقية بين المجتمعات. هي اليوم تحاول اللحاق بالقطار قبل أن يفوتها، خصوصا في خضم معركتها للحفاظ على أكبر عدد من المستخدمين وحماية استثمار أصحاب الأسهم، التمويل الأساسي لعمل تلك المنصات. وباتت التنبيهات تصل تباعا بمحاولة تلك المنصات إيجاد وسائل جديدة للحد من انتشار الأخبار الملفقة والمغلوطة، إلا أن المعركة لاتزال محتدمة وطويلة، خاصة أن خوارزميات المنشورات تتغير باستمرار والمنصات تتزايد باستمرار.