قضاء حوائج الناس من أعظم الصدقات، ومن أفضل وأكرم الفضائل الإنسانية، وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس» ثم سئل أي العمل خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم": «سرور تدخله على مؤمن»، وحول فضيلة السعي لقضاء حوائج الناس نتعرف على آراء المختصين:
يقول د.بدر الماص: جبلت النفوس على حب من أحسن اليها والميل الى من يسعى في قضاء حاجاتها قال الشاعر:
أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم
فلطالما استعبد الإنسان إحسان
وقد أمر الله تعالى بخدمة الناس وقضاء حوائجهم فقال عز من قائل: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) فالمسلم يسارع الى فعل الخير لأنه واثق بمثوبة الله له في كل خطوة يخطوها في فعل الخير، روى الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطرقات صدقة».
وأكد د.الماص ان خدمة الناس تعد بابا واسعا من أبواب الخير لكل من يلجه أو يحسن الدخول اليه ليحتل قلوب الناس ويحوز رضاهم، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكافه عشر سنين ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين».
من أبواب الخير
يذكر د.الماص قصة ابن المبارك، رحمه الله، حين سافر يريد الحج فاشترط ابن المبارك ان تكون له الإمارة وكان من عادة الناس إذا سافروا أن يؤمروا عليهم احدهم فوافق صاحبه فكانا كلما وصلا مكانا ما قام ابن المبارك في خدمة أخيه ونهاه ان يعمل شيئا، وكلما أراد أخوه ان يفعل شيئا قال له: أنا الأمير هنا وآمرك ألا تعمل شيئا، انه مبدأ إنساني على جانب كبير من الأهمية، ألا وهو خدمة الناس فهو ينمي التعاون بينهم ويزرع المحبة والثقة والرحمة.
فضيلة
وأكد د.الماص ان المسارعة الى فعل الخيرات فضيلة من أكرم الفضائل الإنسانية التي تدل على المعدن الطيب عند الإنسان وصاحب هذه الصفة يجد متعته النفسية ولذته الروحية في السبق الى الطيب من القول والعمل بلا تردد أو إبطاء وقد ذكر القرآن الكريم هذا الخلق الحميد في أكثر من موضع فقال في سورة آل عمران: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين).
فوائد جمة
وحول فوائد قضاء المسلم حاجة أخيه المسلم ذكر د.الماص قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجرا كبيرا) وقوله تعالى (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) وقوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، وقوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وقوله تعالى في الحديث القدسي لما خلق الخلق: (أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير وقدرته فطوبى لمن خلقته للخير وخلقت الخير له وأجريت الخير على يديه) وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله خلقا خلقهم لقضاء حوائج الناس يفزع الناس اليهم عند حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله يوم القيام».
المثل الأعلى
يقول الداعية عبدالعال علي: من سمات المسلم المبادرة الى فعل الخيرات وايثار القربات وتقديم العون للمسلمين وتفريج الكربات والمسارعة الى الخيرات، فإن بادر الى ذلك فقد امتثل لأمر الله تعالى (فاستبقوا الخيرات) وقوله (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) وقوله جل شأنه (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) فيسعد المسارعون الى فعل الخيرات بجنات عرضها الأرض والسموات فكيف بطولها.
وزاد، ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في المبادرة الى مساعدة الضعفاء وإنفاق المال على البؤساء فقد روى البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس الى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى انهم قد عجبوا من سرعته قال: ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت ان يحبسني فأمرت بقسمته وفي رواية له: كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته، وسار على دربه صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام فتأسوا به في التعجل في فعل الطيبات وإتيان الطاعات، فعن جابر رضي الله عنه: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «أرأيت ان قتلت فأين أنا؟ قال: في الجنة فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل» ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح يقتصر عملهم على النفع لأنفسهم فحسب بل كانوا يبادرون الى مساعدة الناس ومعاونتهم وكشف كرباتهم والتصدق عليهم ولا يملون ذلك ولا يتباطأون في مد يد العون والزكاة والصدقات الى المحتاجين.
خير الناس
وأضاف: لقد كان الصالحون السابقون وشأن المؤمنين اليوم المسارعة الى الخير قبل فواته، فقد يعجز عن اتيانه في المستقبل لمرضه أو فقره أو غيره، لذا نصح الرسول أمته بالمبادرة الى فعل الطيبات فقال صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك وصحتك قبل مرضك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك»، وليعلم المسلم ان خير الناس أنفعهم للناس فمن قدم معروفا الى الناس نال محبة ربه ثم محبة الناس، وفاز برضوان الله وجنته ووجد من يأخذ بأزره إذا نزلت به نازلة فإن الجزاء من جنس العمل.
مخالف للشرع
وقال إن مما يؤسف له ان بعض المسلمين يتكاسل عن فعل الخير ومساعدة الناس ولا ينحصر عند ذلك بل يعدهم بتحقيق آمالهم ومساعدتهم ثم ينقض العهد معهم فيغشاهم الحزن والأسى بعد ان أفرحهم بوعده لهم بالنفع، وبين الداعية علي ان هذا الخلف من بعض الناس أمر مخالف للشرع ولطبع المسلم ومناف للأخلاق الفاضلة وانه من سمات المنافقين المخادعين (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) وهؤلاء المخادعون ينالون العذاب الأليم بسبب خلفهم للوعد واغراء غيرهم بالوعد الكاذب وغدرهم لهم، وأكد ان المؤمن الفطن هو من يقضي حوائج الناس حتى يقضي الله حاجته وييسر له أمره ويحقق له آماله ويعظم له المثوبة والجزاء الأوفر.