- العجمي: لابد من الوقوف أمام من يتلاعب بالأسعـار ويسعى إلى احتكار السلع الضرورية
- الهمـــلان: الرسول صلى الله عليه وسلم حث علــى خفـض الأسعار للتيسير علـى الـنـاس
- الشطـــي: على الدولة ان تحقق العدالة في السعر بما لا يكون مجحفاً للبائع ولا المشتري
- المسبــاح: مخالــف للعـدل واستغلال لحاجة النـاس ويجوز تدخل ولي الأمر
ارتفعت أسعار السلع الغذائية بصورة واضحة وكثرت الشكاوى في الآونة الأخيرة من ارتفاع الأسعار حيث قام بعض التجار بزيادة أسعار السلع الضرورية، كما قام بعض ضعاف النفوس بتخزين واحتكار هذه الضروريات حتى يرتفع ثمنها ثم يبيعها بسعر أغلى مما كانت عليه فما حكم رفع الأسعار؟ وهل تسعير السلع واجب؟
يؤكد الداعية الإسلامي ناظم المسباح أن ارتفاع الأسعار غير المبرر مخالف للعدل ومخالف لقيم الإسلام السامية التي حثت على التعاون والتكافل بين المسلمين ونهت عن استغلال حاجتهم لبعض السلع الأساسية. وعن مواجهة هذه الظاهرة، قال الداعية المسباح: يتم عن طريق الحملات الحكومية والشعبية للقضاء عليها ويجوز تدخل ولي الأمر أو من ينوب عنه في تسعير بعض السلع لمنع ظلم بعض التجار لاسيما ان الشريعة قد جاءت بإزالة الضرر عموما وتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام مراعاة لمصلحة العام واستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار»، فالتسعير أن يسعر الإمام أو نائبه على الناس سعرا يجبرهم على التبايع به والراجح فيه الجواز عند الحاجة العامة لاسيما اذا كانت الاسعار قد رفعت لأسباب مفتعلة بحيث يكون فيها ظلم واقع على المستهلكين فيجوز التسعير حينئذ للمصلحة وهي رفع الظلم عن المستهلكين وثانيها الا يكون سبب الغلاء قلة العرض او كثرة الطلب.
حالة مأساوية
يقول رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.بسام الشطي ان هناك صمت مريب من اصحاب القرار لما يرونه ويلمسونه ويسمعون به من ارتفاع الأسعار دون مبرر يذكر ومن غش ورشاوى وفقدان الجودة. وتساءل: لماذا لا تسأل الوزارة المختصة نفسها ما الذي حدث في ارتفاع الاسعار في جميع السلع؟ ولماذا يتفاوت السعر من جمعية إلى أخرى ومن سوق تجاري إلى شبرة الخضار؟ والغريب في المسألة انتشار الرشوة بين بعض الجهات الرقابية فأصبح لا هم إلا ملء الجيب بالحرام والحلال حقا انها حالة مأساوية.
واضاف، مع كثرة الشكاوى من المواطنين والمقيمين حول زيادة اسعار السلع من ناحية ومن ناحية اخرى يحتكر بعض التجار سلعا مهمة وضرورية ثم يرفع سعرها وينزلها للاسواق وبين د.الشطي رأي الشرع في تسعير السلع فقال هناك مذهبان، مذهب يحرم التسعير ويمنعه ومذهب يجيزه، وقد استدل المانعون للتسعير بأدلة منها حديث انس رضي الله عنه قال: غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرزاق، واني لارجو ان القى الله عز وجل وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة من دم ولا مال».
وعن ادلة المنع بين د.الشطي وجه الدلالة في هذا الحديث من وجهين: احدهما انه لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لاجابهم اليه، والثاني، انه علل الامتناع عن التسعير بكونه مظلمة والظلم حرام.
وما رواه مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بحاطب بن ابي بلتعة وهو يبيع زبيبا له في السوق فقال له عمر رضي الله عنه: «اما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا» فلما رجع عمر رضي الله عنه حاسب نفسه، ثم أتى حاطبا في داره فقال: إن الذي ملكت علي ليس عزيمة مني ولا قضاء إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئنا نبيع وكيف شئنا نبيع».
سبب الغلاء
واضاف د.الشطي: التسعير سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يأتوا بسلعهم إلى بلد يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ومن عنده بضاعة يمتنع عن بيعها ويكتمها ويطلبها أهل الحاجة فلا يجدونها إلا قليلا، فيرفعون من ثمنها فترتفع الاسعار ويحصل الاضرار بالجانبين، جانب الملاك في منعهم من بيع املاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول الى غرضه فيكون حراما.
وبين د.الشطي ان هذه الادلة لا تدل على المنع في التسعير كقاعدة عامة في كل الاحوال والظروف ولكنها تدل على المنع من التسعير.
متى التسعير؟
في الأحوال العادية التي يكون التسعير فيها مجحفا بحق البائع أو العامل الذي يقوم بما يجب عليه من امتناع عن الاحتكار أو التواطؤ لإغلاء الأسعار ورفعها وذلك ان الامتناع عن التسعير جاء معللا والأحكام تدور مع العلة وجودا وعدما، ووضح ان الحديث الشريف يبين ان الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع عن التسعير نظرا لأن فيه مظلمة وذلك لأنه لم يكن هناك ما يقتضي التسعير في ذلك الوقت لأن ارتفاع الأسعار لم يكن بفعل التجار واحتكارهم وانما كان ذلك نتيجة لعوامل أخرى لا شأن لهم بها.
وعن الحالات التي يجب ان تتدخل فيها الدولة بتسعير السلع قال الشطي: على الدولة ان تتدخل وتجبر التجار على بيع سلعهم وتسعيرها في حال حاجة الناس الى السلعة وإذا حدث احتكار لها وفي حالة الحصر (حصر البيع بأناس مخصوصين) وفي حالة تواطؤ البائعين فإذا اقتضت المصلحة والعدل في التسعير فإنه واجب ولي الأمر ان يفعل ذلك ولكن يجب ان يحقق هذا السعر العدالة وألا يكون مجحفا بأحد الطرفين البائع والمشتري ولتحقيق ذلك يستعان بأهل الخبرة والرأي.
أين الرقابة؟
من جهته، أكد الباحث الإسلامي هملان الهملان ان هناك أسبابا مفتعلة ناتجة عن سوء سلوكيات بعض التجار وغيرهم لإحداث الغلاء في الأسعار والتي من الواجب الشرعي للحكومة العمل على علاجها فإذا أهملت الحكومة مع بعض التجار الجشعين لأي سبب كان ولم تفرض الرقابة المطلوبة على الأسعار تعتبر مقصرة، مشيرا الى ان من بين أسباب الغلاء في الأسعار تصرفات وجشع التجار وقد نهى الإسلام عن هذا فقد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم الاحتكار فقال: «لا يحتكر إلا خاطئ» وقال النبي صلى الله عليه وسلم «من احتكر طعاما 40 يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه»، كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على خفض الأسعار للتيسير على الناس لما في ذلك من مرضاة الله والفوز بثوابه بل رفع الإسلام الجالب لأرخص الأسعار الى مرتبة المجاهد في سبيل الله فيقول: «أبروا فإن الجالب الى سوقنا كالمجاهد في سبيل الله» وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم الجالب بالبركة وزيادة الكسب فقال صلى الله عليه وسلم «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون».
وأكد ان الاحتكار بقصد رفع أسعار السلع في الأسواق حرام شرعا واستغلال لحاجة الناس دون وجه حق.ويعرض الباحث منصور العجمي العلاج الذي طرحه علي بن ابي طالب رضي الله عنه لمكافحة الغلاء، فيقول: كان اسلوب الامام علي رضي الله عنه هو ارخاص السلعة عبر ابدالها بسلعة اخرى، فمعن رزين بن الاعرج مولى لآل العباس قال: غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا الى علي بن ابي طالب رضي الله عنه بالكوفة ان الزبيب غلا علينا، فكتب ان ارخصوه بالتمر، اي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافرا في الحجاز واسعاره رخيصة، فيقل الطلب على الزبيب فيرخص وان لم يرخص فالتمر خير بديل.
واشار العجمي الى ان مشكلة غلاء الاسعار في الغذاء ينتج عنها بلاء الجوع ونقص الثمرات وربما يكون غلاء الاسعار سببا لكي يعود الناس الى الله فيفتح لهم ابواب الخير، كما قال تعالى (ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).
وطالب العجمي بالوقوف امام من يتلاعبون في الاسعار ومعاقبة من يسعى الى احتكار السلع الضرورية والتي لا غنى للناس عنها من اجل ان يرفع سعرها وتحصيل اكبر ربح منها ويقع بذلك الظلم على الناس، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي «يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا».
المقاطعة
ويذكر العجمي دور المستهلك بقدرته على محاربة الغلاء، فيروى عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه جاء اليه الناس فقالوا: غلا اللحم فسعره لنا، فقال: ارخصوه انتم، فقالوا: نحن نشتكي غلاء سعر اللحم واللحم عند القصابين ونحن اصحاب حاجة فتقول ارخصوه انتم وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس بأيدينا؟ فقال: اتركوه لهم.
حقا فإن المقاطعة تجبر التجار على ترخيص الاسعار فماذا يفعل التاجر اذا تكدست البضاعة لديه في المخازن وذهبت صلاحيتها فدور المستهلك هنا اساسي.