- القطان: عيد الأضحى يـوم اختـصـه الله بسمات البر والإحسان وصــلــة الأرحــام والعطـف على الفقراء وذوي الحـاجـات من الأقربين والجيران
- النوري: في العيد تتجدد الألفة وتتصافى الـنفـوس ولا ننسى إخـواننا المنكـوبين والمجروحين في بــلاد المسـلمـين والعمل على إعانتهم
ونحن نعيش هذه الأيام المباركة ونحتفل بعيد الأضحى المبارك ذلك اليوم الذي يسبقه يوم عرفة، حيث يكون المسلمون قد فرغوا من حجهم وباهى الله بهم ملائكته فعلى كل مسلم أن يجعل العيد رمز خير يصالح فيه من تشاجر معه أو خاصمه قبل ذلك وأن يكون العيد مفتاح سعادة كل مسلم ترفرف عليه وعلى من يحيط به مع إظهار الفرح وإبداء الزينة. وعن السلوكيات التي يجب ان يتحلى بها المسلم في العيد تحدثنا السطور التالية:
من أعظم الأيام
يبين لنا الداعية الإسلامي احمد القطان ان العيد لدى المسلمين انما يعني الفرحة والسرور والبهجة والحبور والتعاون بين الناس والتآلف والتآزر والتآخي والتناصح والتغاضي عن أخطاء الآخرين، فيه تصفو النفوس وينتشر المؤمنون في جو من الصفاء الروحي والتسامح والتقارب والمودة وتفيض القلوب طهرا ونقاء، قال تعالى (وهدوا الى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد).
وأكد القطان أن الله تعالى شرع لنا في هذا العيد الأكبر الأضحية سنة من سمات البر والتكافل بين أفراد المجتمع ووسيلة الى التهادي بين الأقارب والاصدقاء والجيران وهي سنة مؤكدة على كل قادر عن نفسه وعمن يعولهم.
وزاد: عيد الاضحى يوم اختصه الله بسمات البر والإحسان وصلة الأرحام والعطف على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات من الاقربين والاصدقاء والجيران، ففي الحديث الشريف: «يوم النحر وأيام التشريق عيدنا اهل الاسلام» وتمتد ايام الاضحى الى اليوم الرابع لهذا العيد المبارك الذي يأتي في ايام مباركة اتم الله فيها الدين حيث نزل قول الله تعالى يوم عرفة على نبيه صلى الله عليه وسلم (اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وقد كملت في هذا اليوم الذي جعله الله اعظم الايام في حياة امتنا المؤمنة شعائر الحج ومناسكه (ولذكر الله أكبر) ومن ثم ينبغي ان تصفو النفوس ويسود التسامح وتطهر القلوب.
العيد فرحة
وعن مشروعية اللهو واللعب في العيد قال القطان: الأعياد في الإسلام تبعث على الخير والرشاد والمودة والرحمة والتعاطف والتعاون على البر والتقوى وصالح الأعمال فلا يمتنع او يحرم فيها اللهو البريء بعيدا عن العبث بحرمات الله وحقوق الناس، وما يبعد عن ذكر الله وطاعته كما قال تعالى (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون).
فالعيد فرحة وسرور وحق لنا أن نفرح وأن يفرح أولادنا وأهلونا في حدود المباح والمشروع من التوسعة على الأهل والعيال ولبس الجديد والتسرية عن النفس والتزاور والتهنئة وإظهار ذلك في بيوتنا، وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يحتفلون ببعض الأيام فبين للمسلمين ان الله قد من عليهم بيومين أكثر فضلا وخيرا وهما عيد الفطر وعيد الاضحى. أما كيف حدد لنا الاسلام مظاهر العيد فهو يدعونا للاحتفال بصورة طيبة تركز على تبادل المودة والتهنئة بالعيد والحرص اولا على اداء صلاة العيد والالتقاء بجموع المصلين والتزاور بين الاهل والجيران والاصحاب والالتقاء في مجموعات فرح وسرور وقد كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض المظاهر التي تدل على هذه الفرحة منها ان ابا بكر قد سمع بعض من يغني في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم العيد ولم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم بل أباح هذا الأمر بشرط ان يكون الغناء بكلمات طيبة وفي الحدود التي لا تخرج عن الشرع.
ولفت القطان الى ان افضل ما يمكن القيام به ونحن نحتفل بالعيد الا ننشغل بفرحتنا وحدنا بل نعمل قدر المستطاع على إدخال الفرحة والبهجة في قلوب غيرنا من المسلمين وخاصة الأطفال الايتام الذين يحتاجون لمن يشعرهم بفرحة العيد كغيرهم من الاطفال، كذلك المرضى في هذا اليوم ولو بزيارتهم وتهنئتهم بالعيد ومواساتهم في آلامهم.
النفوس تتصافى
ويوضح لنا الداعية نادر النوري اهم السلوكيات الواجب ان يتحلى بها المسلم في يوم العيد فيقول: ان يكون المسلم متسامحا مع الحلم والعفو والتجاوز وضبط النفس لأن ذلك من علامات التقوى وأمارات الإيمان، كما أنه من دلائل قوة النفس وسموها واعتزازها بإيمانها وارتفاعها عن سوءات الحقد وأن يمد يده بالخير والمساعدة والعون لغيره قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وألا ينسى المسلم حين يؤدي حق ربه ان الله سبحانه قد أمره بأداء حق اخيه الإنسان وأن في ماله حقا معلوما، فحين يؤدي حق ربه الذي أمره به سبحانه وهذه عبادة لله سبحانه وابتغاء لمرضاته فلابد أن يقوم بناء المجتمع على التكافل والتعاون حتى لا يكون المال دولة في أيدي الأغنياء بينما يحرم الفقراء من ضروريات الحياة فالمال مال الله والناس جميعا شركاء فيه، ان لم يكن على سواء فعلى الغني ان يعين الفقير على اعباء الحياة ويشد ازره في مواجهة دنياه.
ولنتذكر جميعا في هذه الايام الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم والذين لا يملكون من الدنيا قوت يومهم والذين هم في مرض شديد يتألمون ولنتذكر كل المجروحين واخواننا المنكوبين وغيرهم، وليصف كل منا ما بينه وبين اخيه من خصام وشجار ولنجتمع في هذا اليوم المبارك على بساط المحبة وعلى مأدبة الإخاء والصفاء.
من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
لعل خير ما ينبغي ان نتذكره تلك الكلمات النيرات التي ألقاها الهادي البشير رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين في حجة الوداع تلك التي جمعت اعدادا كبيرة من المسلمين في جزيرة العرب وجاءت في كلمات بليغة موجزة، فقد اعطى دستورا للناس على امتداد الزمان وحتى يرث الله الارض ومن عليها، ونقتبس من هذه الخطبة الجامعة بعض المبادئ الخالدة التي بدأها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مؤكدا ان الاسلام يحرص على تأمين الحقوق وحماية اموال الناس وانفسهم واعراضهم وهذه الحرمات لا يمكن ان يرضى عن انتهاكها الله ورسوله ولا يجوز ان نرتكب اشياء تضر بالناس والمجتمعات الانسانية فقال: «ان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام الى ان تلقوا ربكم فيسألكم عن اعمالكم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده امانة فليؤدها الى من ائتمنه»، ثم اتجه في حديثه اليهم محذرا اياهم من حرمة الربا الشديدة في التعامل فيما بينهم ضاربا المثل بتحريم ذلك مع عمه العباس الذي كان يتاجر على عادة الجاهلية فمنع عنه ذلك، واتجه ايضا الى منع الثأر وفتح عهدا جديدا فمنع من له قتيل من طلب ثأره بادئا بابن عمه فقال: ان كل دم كان في الجاهليه موضوع واول دم أضعه هو دم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب. ثم نبه الى حرمة الاشهر ولكن اجمع العلماء على ان القتال يجوز فيها دفاعا عن الامة اذا وقع الاعتداء عليها، ثم اشار الى حقوق النساء واوصى بهن خيرا ولكن عليهن الا يأذنَّ لاحد بدخول البيت الا اذا كان ممن يحق له الخلوة والانفراد بهن، والا يأتين بفاحشة مبينة اي سوء الادب والتطاول على الزوج والنشوز.
الذبيح إسماعيل عليه السلام
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (سلام على إبراهيم، كذلك نجزي المحسنين، انه من عبادنا المؤمنين) (سورة الصافات)، ان نبي الله ابراهيم عليه السلام آتاه الله الحجة على قومه وجعله نبيا رسولا فكان عارفا بالله يعبد الله تعالى وحده ويؤمن ويعتقد أن الله خالق كل شيء وهو الذي يستحق العبادة وحده من غير شك ولا ريب، ثم أنه ذات يوم طلب من ربه أن يرزقه أولادا صالحين، قال فيما أخبر الله به في القرآن: (رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم)، فرزقه الله تعالى إسماعيل وإسحاق، ولما كبر اسماعيل وصار يرافق أباه ويمشي معه رأى ذات ليلة سيدنا ابراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، قال تعالى أخبارا عن ابراهيم: (يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك) (سورة الصافات)، ورؤيا الأنبياء وحي فأخبر بذلك ولده كما جاء في القرآن: (فانظر ماذا ترى) (سورة الصافات)، لم يقصد ابراهيم أن يشاور ولده في تنفيذ أمر الله ولا كان مترددا انما أراد أن يعرف ما في نفسية ولده تجاه أمر الله، فجاء جواب اسماعيل جواب الولد المحب لله أكثر من حبه للحياة فقال (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين) (سورة الصافات)، وأما قوله (ان شاء الله)، لأنه لا حركة ولا سكون الا بمشيئة الله تكون، أخذ ابراهيم النبي ابنه اسماعيل وابتعد به حتى لا تشعر الأم وأضجعه على جبينه قال تعالى (فلما أسلما وتله للجبين) (سورة الصافات)، فقال اسماعيل: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني ثوبك حتى لا يتلطخ من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي، فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، فأقبل عليه ابراهيم يقبله ويبكي ويقول: نعم العون أنت يا بني على أمر الله» فأمر السكين على حلقه فلم يحك شيئا، وقيل انقلبت فقال له اسماعيل: ما لك؟ قال: انقلبت، فقال له: اطعن بها طعنا، فلما طعن بها نبت ولم تقطع شيئا، وذلك لأن الله هو خالق كل شيء وهو الذي يخلق القطع بالسكين متى شاء وقد علم الله تعالى بعلمه الأزلي الذي لا يزيد ولا ينقص ولا يتجدد الصدق في تسليمهما ونودي يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا هذا فداء ابنك، فنظر ابراهيم فإذا جبريل معه كبش من الجنة، قال تعالى (وفديناه بذبح عظيم)، أي ان الله تعالى خلص اسماعيل من الذبح بأن جعل فداء له كبشا أقرن عظيم الحجم والبركة.
آداب وأحكام العيد
يحرُم صيام يوم العيد لحديث أبي سعيد: ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم النحر (متفق عليه) ويشرع التكبير ليلة العيد ويبدأ من غروب شمس ليلة العيد ويستمر الى صلاة العيد ويستحب ان يجهر الرجال بالتكبير في المساجد والأسواق والطرقات والبيوت اظهارا للفرح ولفظه: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ويستحب التهنئة والتوسعة على الأهل والعيال في المأكل والملبس دون إسراف أو تبذير ويستحب كذلك صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب، وينبغي المحافظة على صلاة العيد وعدم إضاعتها، ويستحب الغسل قبل الصلاة والتطيب والتجمل بلبس أحسن الثياب مع الحذر من اسبال الرجال ثيابهم فإنه محرم، ومن السنة إخراج النساء والبنات ليشهدن العيد مع المسلمين.
الأضحية أهم ملامح العيد
الأضحية كما بينها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل ما هذه الأضاحي؟ قال: «سنة أبيكم إبراهيم، قالوا فمالنا فيها يا رسول الله؟ قال بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف يا رسول الله؟ قال بكل شعرة من الصوف حسنة» البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب الى الله من اهراق الدم، وانها لتأتي يوم القيامة بمفردتها واشعارها، وأظلافها وان الدم ليقع من الله بمكان قبل ان يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا».
لصاحبها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة» وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
بعض أحكام الأضحية
هي كل ما يذبح من الابل والبقر والغنم تقربا الى الله في أيام عيد الأضحى وهي عند الائمة الثلاثة سنة وشرعت في السنة الثانية من الهجرة.
الحكمة من مشروعيتها التوسعة على الفقراء والمساكين وتذكير المسلمين بالذبح العظيم الذي فدي به اسماعيل عليه السلام قال تعالى (وفديناه بذبح عظيم).
وعن فضل الأضحية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ضحى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار».
أما وقت الذبح فبعد صلاة العيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أول ما نبدأ في يومنا هذا (عيد الأضحي) ان نصلي ثم نرجع فننحر، من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء».
ينتهي وقت الذبح عند الشافعية الى غروب شمس رابع أيام عيد الأضحى، أما توزيع الأضحية فمن السنة أكل ثلثها وإهداء ثلثها والتصدق بثلثها، وذلك لقوله تعالى: (فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر ـ الحج: 36).
قربة وعبادة
شرع الله تعالى الأضحية لتكون يوم العيد وما بعد العيد توسعة على الناس، وتشرع ابتداء من صباح يوم الأضحى، بعد صلاة العيد، أما من يخطئ فيذبح الأضحية ليلة العيد فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «شاته شاة لحم» يعني ليس لها ثواب الأضحية، انما يكون ثواب الأضحية إذا ذبحت بعد اسبق صلاة عيد.
فالأضحية عبادة وقربة الى الله، والقربات والعبادات فيها ما هو محدد بأوقات معينة.