هذا صحابي عاشق للمساكين، قال عنه أبوهريرة رضي الله عنه: كان خير الناس للمساكين، وأطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم لقب: «أبوالمساكين»، انه المتحدث باسم المسلمين أثناء هجرتهم الى الحبشة وكان خير المتحدثين باسمهم. إنه البطل في حبه للمساكين، وفي التحدث باسم أبناء دينه في معارك الحرب والسلام.
إنه ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأحد قادة غزوة مؤتة، المعركة الوحيدة التي يخرج فيها، وكانت بعد عودته من الحبشة في أعقاب فتح المسلمين لخيبر، وقد نال الشهادة في هذه المعركة، إنه المغوار البطل الذي بكى صلوات الله وسلامه عليه: «الناس من شجر شتى.. وأنا وجعفر من شجرة واحدة». وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «أشبهت خلقي وخُلقي» إنه جعفر بن أبي طالب.
عاش جعفر في كنف عمه العباس، يحيا حياة الترف والثراء حتى بعث الله نبيه الى العالمين بالهدى ودين الحق. فأسلم قبل ان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ويدعو فيها، ثم استغنى بعد ذلك عن العيش في بيت عمه لأنه يعلن ان إسلامه بعد هو الآخر.
واشتد إيذاء قريش للمسلمين وأصاب جعفر من أذى الكفار ما جعل مقامه في مكة أمرا لا يطاق فكانت هجرته الى الحبشة، وكان هو أمير المهاجرين اليها، لم يهاجر وحده، بل كان معه بعض المسلمين، وهاجرت معه زوجته أسماء بنت عميس فولدت له هناك عبدالله، فكان اول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة.
ولقد حزن جعفر على ما فاته من المعارك التي خاضها النبي، ولذلك ما ان جاءت غزوة مؤتة، حتى استأذن جعفر النبي صلوات الله وسلامه عليه في ان يشترك فيها، وأذن النبي لجعفر، وراح ابن عم الرسول الى المعركة جنديا من جنودها وفي الوقت نفسه قائدا لها، إذا ما أصابت الشهادة القائد زيد بن حارثة، وينال الشهادة زيد بن حارثة، ويتولى القيادة جعفر، فيحمل الراية قبل ان تسقط على الأرض من يد الشهيد زيد بن حارثة، ويتقدم ليقود المعركة بحماسة المتشوقين الى محاربة أعداء الله، بحماسة من لم يشارك في غزوة من قبل، ويحيط الأعداء بالبطل، والروم يتكاثرون من حوله فينزل من فوق جواده مضطرا وهو يكيل لهم الطعان، ولكن ضربات الأعداء تتركز عليه فيضربون يمينه فيقطعونها فيتلقى الراية بشماله، ويستمر في القتال ولكنهم يحيطون به فيسقط شهيدا، ويأخذ الراية من يده عبدالله ابن رواحة آخر القادة الثلاثة للمعركة الذين حددهم النبي بأسمائهم قبل الخروج للمعركة. وبعد صلاة المغرب، وقف الرسول وسط أصحابه وذكر جعفر، وقال: لقد رأيته في الجنة له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوادم (أي أن جعفر كان مخضبا بالدماء في مقدماته لأنه تلقى طعنات الرماح، وضربات السيوف مقبلا (غير مدبر). وبعد أيام هدأت حدة الحزن في بيت جعفر، وتقدمت الزوجة الثكلى الى رسول الله تصحب ابنها عبدالله وذكرت يتم أطفالها وضيق معاشهم بعد موت أبيهم الفتى الجواد، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحب ثم قال: «كيف تخافين عليهم. وأنا وليهم في الدنيا والآخرة».
ثم قال: اللهم اخلف جعفر في أهله، وبارك لعبدالله في يمينه (قالها ثلاثا)، ويسمع أبوهريرة قصة أسماء، فيبكى على أسخى بني أبي طالب اذ كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى انه كان ليخرج إلينا العكة (قربة السمن) التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها.