- الطبطبائي: إذا ترتب على الزواج الثاني مفاسد أكثر من المصالح فلا يجوز الإقدام عليه
- العنزي: التعدد حق شرعي للرجل وإخبار الأولى ليس شرطاً
- الشرف: المعترضون على التعدد يعانون علة في عقولهم وأنفسهم لأنه شرع الله تعالى
ليلى الشافعي
حول قضية تعدد الزوجات، ترصد «الايمان» الآراء الشرعية لدى العلماء والدعاة بهدف الوصول الى رؤية واضحة للوقوف على ضوابطها الشرعية.
في البداية، يوضح العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.محمد الطبطبائي ان من مميزات الشريعة الاسلامية الغراء انها اعتنت بالاسرة التي هي نواة المجتمع، ونظمت الرابطة التي تكون بين الرجل والمرأة، فشرعت النكاح ونهت عن السفاح، ومن مميزاتها ايضا انها اباحت التعدد للزوج بضوابط محددة، قال الله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)، وان المصالح المترتبة على اباحة تعدد الزوجات لا تكاد تحصى، سواء على الزوج او الزوجة او المجتمع، ومنها تحصين الزوج والزوجة عن الوقوع في الحرام، والقيام بالزوجة وتحصيل النسل وتكثير الامة وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «تزوجوا فإني مكاثر بكم الامم».
ضوابط
واضاف د.الطبطبائي: عندما اباحت الشريعة الاسلامية التعدد، وضعت له ضوابط وهي: الا يجمع الحر بين اكثر من اربع زوجات جماعا، والحكمة من الاقتصار على هذا العدد ان العدل فيه اقرب، وايضا ألا يجمع بين امرأتين بينهما رحم محرم، بحيث لو ولدت احداهما ذكرا لم يجز له التزوج بالاخرى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ان يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وكذا يجب ان يكون قادرا على كلفة النكاح، فلا يشرع التعدد الا لمن استطاع الباءة، وألا يترتب على زواجه مفسدة اعظم مما فيه من مصلحة.
وتابع: ويجب العدل بين الزوجات باتفاق المسلمين، فيعدل في القسم، فاذا بات عند احداهن ليلة او ليلتين او ثلاث، بات على الاخرى بقدر ذلك، فلا يفضل احداهن بالقسم وان يعدل في النفقة والسكون والعطاء، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعدل بين ازواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، ويحرم الميل الى احداهن بذلك، فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له امرأتان فمال الى احداهما دون الاخرى جاء يوم القيامة واحدى شقيه مائل»، اما المساواة بالحب وميل القلب ونحو ذلك مما لا يملكه الانسان، فيعفو عنه، ولابد من التفاوت فيه لقوله تعالى (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، واذا سافر واراد اصطحاب احداهن اقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها خرج بها.
المحظور
ولفت د.الطبطبائي الى انه اذا علم من اراد التعدد انه عاجز عن القيام بما لا بد فيه نجاة الزوجات وعن معاشرتهن بالمعروف، فهذا لم يجز له ان يدخل في امر يوقعه في محظور، ومن كانت عنده زوجات لا يعدل بينهن فإما ان يمسك بمعروف، واما ان يسرح بإحسان.
حق مشروع
ويؤكد د.سعد العنزي ان التعدد حق مشروع شرعه الله سبحانه وتعالى للمسلم، واشار الى انه لا يحق للمرأة ان ترفع امرها للقضاء لتطلب التفريق بينها وبين زوجها بسبب التعدد، واستنادا الى قول الله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)، ولا يعد التعدد ضررا مسوغا للتفريق لأنه من شريعة هذه الامة، وقال: والمتفحص في آية النكاح يجد الامر فيها بالزواج من جملة الاوامر التي تتحقق بها المصالح ان توافر شرط العدل، ولا يخفى على كل ذي لب ما للزواج من مصالح حقيقية لهذه الامة، وما يترتب عليه من المصالح لا ريب انه لا يصح ان يكون ضررا او سببا للتفريق بين الزوجين.
التفريق
واضاف د.العنزي: ومعظم القوانين الوضعية لم تجعل التعدد ضررا بحد ذاته الا اذا أُسيء استخدامه ضد المرأة، وكانت اساءته بضرب او سب او سوء عشرة او عدم اتفاق او اعراض عنها، وهذا هو الذي يقتضي ان يكون السبب لطلب التفريق، لكن تعدد الزوجات في حد ذاته لا يصح ان يكون سببا في التفريق.
ليس شرطاً
وعن ضرورة اخبار الزوجة الاولى بالزواج الثاني، قال د.العنزي: لا يشترط شرعا ان يخبر الزوج زوجته الاولى بنية الزواج الثاني، لأن ذلك لا يؤثر في صحة عقد النكاح، ولم يضع الفقهاء ذلك شرطا من الشروط التي تتناقض وصحة العقود، واضاف: ان كان من باب الابقاء على العشرة واحترام الزوجة يمكن للزوج ان يتحين الفرصة ويخبر زوجته بأسلوب حسن حتى يمكنها تفهم هذه المسألة، ولا بأس ان اخفى عليها فترة بسيطة حتى يمهد لاخبارها او تكون مهيأة نفسيا لاستقبال هذا الامر.
مخالفة شرعية
وقال: اما ما جاء في قوانين بعض الدول الاسلامية من اشتراط اخبار الزوجة الاولى بالزواج الثاني او غيره حتى يؤذن له بالزواج فهذا مخالف للشرع الاسلامي، وليس اصلا من قواعد الدين او شروط صحة العقود المتعلقة بالنكاح، بل زاد الامر في مخالفة الشرع عند بعض الدول التي سنت قوانين تجرم وتعاقب التعدد، وهذا مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة ومحاربة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وبين د.العنزي انه ينبغي على المرأة المسلمة ان تعي مفهوم التعدد وعيا شرعيا سليما وتعلم ان هناك من اخواتها من بنات جنسها من تعاني من مشكلة العنوسة ولا حل لهذه المشكلة سوى اتباع شرع الله في التعدد.
مفهوم التعدد
وعن مدى فهم المجتمعات الاسلامية المعاصرة لمفهوم التعدد من النواحي الشرعية والاجتماعية والنفسية، قال د.العنزي: ان العالم الاسلامي الآن بعيد عن منهج الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم نتيجة تخبطه وراء الحضارات المادية الزائفة التي تنطلق على اسس الاباحية والاشتراكية واطلاق العنان للعلاقات المحرمة، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التقليد الاعمى غياب الكثير من المفاهيم الشرعية لدى ابناء المسلمين حتى بات الكثير من هذه الاحكام غريبة ومستهجنة، ويشار الى المسلم الذي يعدد الزوجات بأصابع الاتهام في مجتمع يدين اهله بالاسلام وهو لم يخالف الشرع، بل امتثل لامر الله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم)، واشترط د.العنزي للتعدد العدل والقدرة على الانفاق.
مشكلة العنوسة
واستطرد د.العنزي قائلا: وعلى الرغم من ان من يلتزم بمنهج التعدد يساهم كثيرا في حل مشكلة العنوسة التي تسبب الكثير من الامراض الاجتماعية والنفسية، الا انه بات غريبا في فكره ومنهجه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء»، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون اذا افسد الناس».
واضاف: ولهذا كان من الاصلاح التعدد ومن الافساد منع التعدد او عدم اقراره لمن يستطيع عليه.
المقصود بالعدل
وعن مفهوم العدل، قال د.العنزي: ان العدل المراد به في قول الله تعالى (فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة) هو العدل الظني وليس العدل اليقيني الذي لا يمكن لبشر ان يصل اليه لأنه لم يحققه الا الله تعالى لكونه العادل سبحانه ومن اسمائه العدل.
النفقة
وعلى المعدد ان يظن ويتحقق في نفسه انه يؤدي ما عليه تجاه زوجاته من العدل في النفقة والمبيت والعطاء، وهذا هو الظاهر من العدل المراد، اما العدل المطلق او الباطن فليس مطلوبا على الرجل ان يحققه لأن القلب لا يملكه الا الله سبحانه وتعالى، ولأنه قد يحب واحدة اكثر من الاخرى او يميل بقلبه لواحدة دون الثانية، وهذا شيء خارج عن ارادته، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما وجد ذلك في قلبه تجاه السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن غيرها من النساء: «اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك».
مشكلة
وعن مشكلة العنوسة قال د.العنزي انها مشكلة تهدد المجتمعات الشرقية بوجه عام وهي تنتج عن سببين، احدهما طبيعي والآخر مكتسب، فالطبيعي هو الناتج عن الكثرة الطبيعية للإناث عن الرجال، وهذا ظاهر بصورة واضحة في مجتمعنا الكويتي، وأما العنوسة المكتسبة فهي التي تنتج عن معدلات الطلاق التي زادت ايضا نسبتها في مجتمعنا، اضافة الى حالات الوفيات التي تزيد في الرجال عن النساء، وزاد: ولن تحل مشكلة العنوسة الا بتعدد الزوجات.
دور الدعاة
وطالب د.العنزي العلماء والدعاة بان يعلموا الناس مفهوم التعدد وتدريب الرجال والنساء في دورات تدريبية ومحاضرات على فن التعامل الأسري بين الأطراف وبيان الحقوق والواجبات لكل من الزوجين وتهيئة النفوس لتقبل معنى التعدد، والمساهمة في نشر هذا الوعي بكل السبل سواء عن طريق الاعلام او الدعوة والارشاد او الدعم المادي والمعنوي من قبل الدولة للتشجيع على الزواج والتعدد حتى يمكن القضاء على هذه المشكلة.
النص الشرعي
يقول الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف الشيخ خالد الشرف: مسألة التعدد من المسائل التي تطرح للنقاش بكثرة في هذا العصر، الذي اتصل فيه العالم الاسلامي بالعالم الغربي، اذ يطرح الغربيون المسائل التي يعيبون بها الاسلام عبر مؤلفاتهم ووسائل اعلامهم ولقاءاتهم الشخصية ببعض المسلمين، وجهل كثير من المسلمين بدينهم وضعف ايمانهم بربهم، سبحانه وتعالى، بل ومكابرة بعضهم إزاء احكام شريعة الله عز وجل مما جعلهم يقولون في هذه المسألة أقوالا هي من قبيل الجهل او اتباع الهوى او سوء الأدب احيانا، مع النص الشرعي.
واضاف: فالذين ينكرون ايمانهم بالتعدد وجدواه كأنهم يقولون بعلمهم بما لم يعلمه الله عز وجل عن مستجدات العصر حين احل الله التعدد، والعلة الحقيقية في عقولهم أو في نفوسهم او في كليهما معا وليست في التشريع، وفي المقابل نرى اناسا تدفعهم تقاليد نشأوا عليها الى فهم التعدد نصا لا روح فيه، وكان الدافع من ورائه الانتقال من زوجة الى اخرى بل ان البعض يفهم انها وسيلة لاثبات الفحولة والمزيد من الزوجات، مزيد من اثبات الفحولة امام الناس وهو فهم خاطئ شاع عن جموع من الناس ومازال موجودا عند البعض.
حكمة التعدد
وعن حكمة التعدد، قال الشرف: إن الله عز وجل شرع التعدد كضرورة تواجه ضرورة وكحل لمشكلة في المجتمع، ومن يفهم التعدد كمنحة من الله للرجل يستمتع بها فقد اساء الفهم، بل هي حل لمشكلة تواجه المجتمع المسلم وقد تعود فائدتها على المرأة اكثر مما تعود على الرجل، ولو فهمنا التعدد كوسيلة لاقناع الرجل لوضعنا من مكانة المرأة، وهو ما يعد تناقضا في شريعة الاسلام حسب هذا الفهم، اذ كيف يرفع الاسلام من شأنها في كثير من التشريعات ويخالفها في هذه المسألة.
إساءة الفهم
وقال الشيخ الشرف: ووفقا لسوء الفهم هذا فقد ساء التطبيق عند البعض، فقد علمت عددا لا بأس به ممن أراد التعدد كان قراره مبنيا على عاطفة، بل ان هناك فعلا من تزوج بثانية مستخدما هذا الزواج وسيلة للتحدي بينه وبين زوجته الأولى، فصارت الزوجة الثانية وهي لا تعلم انها احد الاسلحة التي استخدمها الزوج للانتصار على الزوجة الأولى اثر خصام بينهما، فلما صفت العلاقة مع زوجته وعادت المياه الى مجاريها طلق الزوجة الثانية، وويل لمثل هؤلاء من الله، والظلم ظلمات يوم القيامة، ان مثل هؤلاء الناس يتخذون تشريع الله لعبا ولهوا، ومثل هذه الممارسات الخاطئة في فهم تشريع التعدد او في تطبيقه هي الأساس الذي يستشهد بها مفكرو التعدد، واضاف، فالتعدد اذن لا بد ان تكون له اسبابه الواقعية عند الزوج الذي يدركها جيدا، ويفحصها جيدا قبل الاقدام على هذه الخطوة، صحيح ان الزوج ليس ملزما ان يبرر للناس السبب الذي دفعه للتعدد كما انه ليس من شأن الناس ان يطلبوا منه المبررات الا انه لا بد ان تكون مبرراته معلومة لديه هو، وكما قال صلى الله عليه وسلم «استفت قلبك وان افتاك الناس وأفتوك»، كما ان وجود الأسباب وحدها لا يكفي بل لا بد من توافر العدل قبل الزواج، وأؤكد على قولي قبل الزواج، فالذي لا يعلم عن نفسه القدرة على العدل فلا يقدم على هذه الخطوة، فالمسألة اكبر من ان يجرب الانسان قدراته، فان لم يثق بقدرته تمام الثقة فلا يقدم على التعدد لقول الله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم)، وكثير من الناس يفهم العدل خطأ انه اذا اشترى صندوق برتقال مثلا فلا بد ان يقسمه نصفين ان كانت لديه زوجتان فان بقيت برتقالة واحدة جاء بالسكين وقطعها بالنصف، وهذه مبالغة مضحكة تدل على عدم الفهم الجيد للنص القرآني فلم يقل بذلك أحد من الفقهاء، كما أن العدل المقصود كما قال أهل العلم هو العدل في النفقة والمبيت وليس في المحبة القلبية لان المحبة من الأمور التي لا يمكن التحكم فيها وهي بيد الله عز وجل.