في النصف الثاني من شهر ديسمبر من عام 1985 قامت الجمعية الطبية المصرية بمبادرة طيبة. إذ عقدت الجمعية - المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز الطبي في القرآن الكريم- في مقرها بدار الحكمة بمدينة القاهرة.
كان مؤتمرا عالميا بحق!
إذ شارك فيه أكبر علماء الأجنة في العالم البروفيسور كيث مور Keith L. Moore الذي قدم عرضا شائقا لقرابة الساعة تناول فيه بتفصيل الآيات المبينة لتطور خلق الإنسان داخل رحم الأم من النطفة إلى الميلاد خلقا آخر. شارك أيضا البروفيسور بيرسو T. Vidhya N. Persaud أستاذ الأجنة وزميل مور بجامعة تورونتو - كندا، والبروفيسور مارشال جونسون Marshall Johnson من كلية بيلور الأميركية، وآرثر أليسون Arthur Alison بروفيسور الكهرباء والإلكترونيات بجامعة سيتي في لندن، كما قدم أساتذة غربيون آخرون بحوثا طبية تظهر سبق القرآن الكريم بالإشارة إليها.
وفاء للرواد!
كان المؤتمر علامة فارقة في مسيرة الكشف عن أحدث أوجه الإعجاز القرآني في القرن العشرين: الإعجاز العلمي. وبشكل ما كان المؤتمر اعترافا بفضل السابقين من المحدثين وفي مقدمتهم الكاتب مصطفى صادق الرافعي بكتابه المهم، -إعجاز القرآن والبلاغة النبوية- (1912) الذي خصص فيه فصلا كاملا عن القرآن والعلم تضمن، وفق علوم عصره، في قسم منه معلومات طبية متوافقة مع وصف القرآن لمراحل تطور الأجنة مما أدى بجاره النصراني، بعد أن عرض عليه الرافعي هذه المعلومات، إلى أن يرد عليه صائحا: آمنت بما أنزل على محمد! كان المؤتمر أيضا عرفانا بجهود أستاذ الطب الزميل السابق والأستاذ في كليتي أصول الدين ودار العلوم د.محمد أحمد الغمراوي الذي وضع منهجا متكاملا في دراسة العلاقة بين العلم التجريبي والقرآن أفاد منه الشيخ محمد الغزالي أيما إفادة وفق شهادته المنشورة في كتابه -الطريق من هنا- وهو مجموعة مقالات نشرتها سلسلة -روافد- التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت - الإصدار 14 عدد فبراير من عام 2009. أبدع د.الغمراوي كتابا ضمنه منهجه الرائد هو -سنن الله الكونية- (1936) والذي اعتبر ظاهرة إيجابية ينبغي التوسع فيها. وهذا ما فعلته الجمعية الطبية بعد 40 عاما!
أليسون يشهد!
من بين الذين شاركوا في المؤتمر البروفيسور البريطاني آرثر أليسون، الذي قدم ورقة بحثية، بمشاركة د.محمد يحيى الشرفي، عن العلاقة بين حالة الوفاة خلال النوم وحالات الوعي التي يدرسها علماء الظواهر غير الطبيعية Parapsychology ومن بينهم أليسون. كان أليسون حينها رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة سيتي في لندن وعضو مجلس إدارة جمعية الظواهر غير الطبيعية البريطانية. التقاه يحيى أثناء دراسته في الجامعة نفسها وعندما علم بما كان يدرسه أليسون آنذاك من حالات الحياة النفسية أثناء النوم ذكر له أن الآية 42 من سورة الزمر تذكر وفاة النوم.
قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (39/42). ذهل أليسون ومضى يدرس هذه الإشارة القرآنية بكل ما أوتي وقتها من أدوات وتقنيات وخرج بالورقة العلمية التي شارك بها في المؤتمر. ومثلما اهتدى البروفيسور مور، ربما بعد مشاركته بورقته الرائعة في المؤتمر، إلى نور الهداية (وإن لم يعلن ذلك لضغوط مختلفة) فإن آرثر أليسون قد حدث له ما حدث مع مور. ولكن أليسون اختار أن يعلن إسلامه في ختام الجلسة الأخيرة من المؤتمر وعلى الملأ من المسلمين وغير المسلمين. وبين مهلل ومكبر نطق أليسون بالشهادتين وقال في كلمته للحضور من المسلمين: إن لديكم كتابا عظيما يحمل براهينه بين دفتيه. قدموه للعالم ولا تقصروا في ذلك. فالعالم المادي في حاجة ماسة إليه.
لقاء فريد!
في خلال الأسبوع ذاته (في 25 من ديسمبر من عام 1985) تم تسجيل لقاء تلفزيوني صار نادرا تماما (ربما أذيع مرة واحدة واختفى في الأرشيف) جمع بين البروفيسور آرثر (عبدالله) أليسون ود.محمد يحيى الشرفي أستاذ الدراسات النفسية بجامعة الخرطوم والشيخ عبدالمجيد الزنداني المشرف على هيئة الإعجاز العلمي بالمجلس العالمي للمساجد (وقتها بالطبع).
يسر الله لي العثور على هذا اللقاء النادر بين أرشيف إحدى شركات الإنتاج التي توقفت عن العمل قبل 25 عاما. وهو لقاء يستهله أليسون بقراءة الشهادتين بالعربية والإنجليزية. فيما يلي مقتطفات من حديث عبدالله أليسون:
-جئت إلى هذا المؤتمر للمشاركة مع زميلي د.محمد يحيى الشرفي بورقة حول حالات الوعي غير العادية التي لا يتناولها العلم التقليدي والتي أشارت إليها آيات قرآنية وأحاديث نبوية. تناولت ورقتنا من حالات الوعي غير العادية ثلاث حالات: الأولى هي الوعي من خارج الجسم، والثانية هي الحلم الواعي، والثالثة هي حالة القرب من الموت. كنت أيضا في شوق للمجيء لأنني علمت أن هناك أوراقا أخرى سيقدمها في المؤتمر علماء آخرون تربط أبحاثهم بآيات قرآنية. وكانت حقا كذلك فلم يخب أملي فيما سمعت.
العلم نفسه يكذب المادية!
-أعتقد أن الأسلوب العلمي هو الأمثل للتخاطب مع الغربيين. فالمجتمعات الغربية، وخاصة في بلدي المملكة المتحدة وربما أيضا في الولايات المتحدة، هي مجتمعات مؤمنة بالمادية. إن الطلاب في مدارسنا يتعلمون أن العلم التجريبي يملك كل الإجابات، وأن أي شيء يخالف المذهب العلمي المادي لابد أن يكون على خطأ.