مؤمن المصري
قضت المحكمة الدستورية أمس بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (15) من القانون رقم 11/1962 بشأن جوازات السفر وذلك فيما تضمنته من النص على أنه «لا يجوز منح الزوجة جواز سفر مستقل إلا بموافقة الزوج» في الدعوى المرفوعة من المحامي عادل قربان لصالح مواطنة. وعقب صدور الحكم صرح المحامي عادل قربان قائلا: «نفخر بالقضاء الكويتي وجميع القضاة وعلى رأسهم رئيس محكمة التمييز والدستورية وهذا ما عهدناه منهم من إصدار الأحكام التي تظهر الحقيقة وتنصف من يلوذ بها فهي الملاذ لإعطاء كل ذي حق حقه». فحكم المحكمة أنصف المرأة التي هي نصف المجتمع وكانت خير معين للرجل وقت الشدائد، فلا يتصور ونحن في زمن الألفية الثالثة أن يحتكر الرجل حق المرأة في السفر والتنقل إلا بإذنه، وهي الوزيرة والنائبة بمجلس الأمة والوكيلة والمديرة والمتعلمة، وديننا الإسلامي لم يفرق بين الرجل والمرأة إلا في أضيق الحالات، وكذلك دستورنا الذي يعد مفخرة لنا نحن الكويتيين، قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ولهذا فالحكم غير مستغرب على قضائنا الذي يعتبر مفخرة لنا في دولة المؤسسات. وتخلص واقعة الدعوى في أن المدعية وأولادها قاموا برفع دعوى طالبوا في ختامها أولا: بإلزام المدعى عليه الأول (والد الأبناء) بتسليم جواز السفر للمدعية، ثانيا: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم الأوراق الثبوتية الخاصة بأولاده الثلاثة (وهي شهادات الميلاد، والبطاقات المدنية، وشهادات الجنسية وجوازات السفر) لوالدتهم. ثالثا: في حالة عدم تسليم المدعى عليه الأول للمدعية جواز سفرها التصريح لها باستخراجه. وذلك على سند من القول إن المدعية زوجة للمدعى عليه الأول بصحيح العقد الشرعي المؤرخ في 19/10/1999. وقد رزقت منه بأبنائها الثلاثة، وأن المدعى عليه قد امتنع عن تسليم الأوراق الثبوتية الخاصة بها وبأولادها، وهو ما يعد تعسفا في استعمال الحق، الأمر الذي حدا بهم إلى إقامة الدعوى بطلباتهم السالفة البيان. وبتاريخ 11/11/2008 قضت الدائرة التجارية المدنية الثالثة برئاسة المستشار إبراهيم السيف أولا: بأحقية المدعية الأولى في استخراج جوازات السفر وشهادات الجنسية والبطاقات المدنية وشهادات الميلاد لأبنائها من المدعى عليه الأول مع إلزامه بالمصروفات. ثانيا: بوقف نظر طلب المدعية باستخراج جواز سفر لها لحين الفصل في دستورية الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 11/1962 بشأن جوازات السفر وبإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية.
وفيما يلي نص حكم المحكمة الدستورية:
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ الأول من شهر ذي القعدة 1430هـ الموافق 20 أكتوبر 2009م، برئاسة السيد المستشار يوسف غنام الرشيد رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فيصل عبدالعزيز المرشد وراشد يعقوب الشراح وخالد سالم علي وصالح مبارك الحريتي، وحضور السيد: علي حمد الصقر أمين سر الجلسة. صدر الحكم الآتي: في الدعوى المحالة من المحكمة الكلية رقم 3670 لسنة 2008 تجاري مدني كلي حكومة/3: والمقيدة في سجل المحكمة الدستورية برقم 56 لسنة 2008 «دستوري».
الوقائع
حيث ان حاصل الوقائع ـ حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق ـ ان المدعين أقاموا على المدعى عليهم الدعوى رقم 3670 لسنة 2008 تجاري مدني كلي حكومة/3 بطلب الحكم أولا: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم المدعية الأولى جواز سفرها. ثانيا: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم الأوراق الثبوتية الخاصة بالمدعين الثاني والثالث، وهي شهادات الميلاد والبطاقات المدنية وشهادات الجنسية وجوازات السفر. ثالثا: بإلزام المدعى عليه الأول بتسليم المدعية الأولى الأوراق الثبوتية الخاصة بالصغيرة وهي شهادة الميلاد والبطاقة المدنية وجواز السفر. رابعا: في حالة عدم تسليم المدعى عليه الأول جواز السفر للمدعية الأولى التصريح لها باستخراجه في مواجهة المدعى عليه الثاني. خامسا: في حالة عدم استخراج وتسليم المدعى عليه الأول الأوراق الثبوتية السالفة الذكر للمدعيين الثاني والثالث التصريح لهما باستخراجها في مواجهة المدعى عليهم من الثاني الى الرابع. سادسا: في حالة عدم استخراج وتسليم المدعى عليه الأوراق الثبوتية سالفة البيان الخاصة بالصغيرة، التصريح للمدعية باستخراجها في مواجهة المدعى عليهم من الثاني الى الرابع.
العقد الشرعي
وبيانا لذلك قالت المدعية الأولى انها زوجة المدعى عليه الأول بتصحيح العقد الشرعي المؤرخ في 19/10/1989 ورزقت منه على فراش الزوجية الصحيح بالأولاد (المدعي الثاني) و (المدعي الثالث)، واذ امتنع المدعى عليه الأول عن تسليمها الأوراق الخاصة بها وبالأولاد وهي عبارة عن جوازات السفر وشهادات الميلاد والبطاقات المدنية وشهادات الجنسية، فقد أقامت الدعوى بالطلبات سالفة البيان.
وبجلسة 11/11/2008 قضت المحكمة بأحقية المدعية الأولى في استخراج جوازات السفر وشهادات الجنسية والبطاقات المدنية وشهادات الميلاد لأولادها من المدعى عليه الأول في مواجهة المدعى عليهم، واذ تراءى للمحكمة ان نص الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 11 لسنة 1962 في شأن جوازات السفر، والذي يقضي بعدم جواز منح الزوجة جواز سفر مستقل الا بموافقة الزوج، تحيط به شبهة عدم الدستورية، فقد قضت المحكمة بوقف نظر طلب المدعية سالف الذكر لحين الفصل في المسألة الدستورية، وإحالة الامر الى المحكمة الدستورية، واقامت محكمة الموضوع قضاءها بالإحالة على سند من وجود تعارض بين النص المشار إليه واحكام المواد 29 و30 و31 من الدستور، اذ احتوى هذا النص على قيد مبناه انكار حق الزوجة في استخراج جواز سفر مستقل، وان النص وان كان قد قصد تأكيد حق الزوج على زوجته في الإذن لها بالسفر، إلا أن ذلك لا يعني ان يتم إجبار الزوجة على الإقامة وتقييد تنقلها، باعتبار ان واجب الزوجة في طاعة زوجها هو واجب ذو طابع ديني وأخلاقي لا يمكن ان يتم فرضه قسرا دون ارادتها، كما انه لا يسوغ فرضه جبرا عليها سواء من جانب السلطة العامة او بقوة القانون، وانه مما يؤكد هذا النظر ان المشرع في قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984، قد سار على هذا النهج متبنيا ذات الاتجاه اذ نص في المادة 88 منه على عدم جواز تنفيذ حكم الطاعة جبرا على الزوجة.
طلب التفريق
وانه يكفي ان تعامل الزوجة بآثار نشوزها ويعتبر ذلك اضرارا منها بالزوج يجيز له طلب التفريق مع إلزامها بالآثار المادية حسب احكام التفريق للضرر، حيث خلصت محكمة الموضوع من ذلك الى ان ما تضمنه النص المطعون فيه من منح الزوج الحق في الموافقة او الرفض على استخراج جواز سفر لزوجته دون حدود او ضوابط، من شأن هذا الاطلاق ان يمثل في حد ذاته قيدا على حق الزوجة في التنقل وهو حق كفله لها الدستور، وانه وان كان رفض الزوج الموافقة لزوجته على استخراج جواز سفر مستقل لها، او حجبه عنها، او نزعه منها يخضع حقا لرقابة القضاء في حالة تعسف الزوج في استعمال حقه، الا ان من شأن ما جاء بهذا النص وما يستلزمه من تطلب الموافقة المسبقة للزوج على اصدار جواز سفر مستقل للزوجة، وعلى تجديده حال انتهاء مدته، وكذلك لدى استخراج جواز سفر جديد، من شأن ذلك جميعه ان يظل هذا القيد ملازما لحق الزوجة في التنقل والسفر، مما يشكل اخلالا بهذا الحق الدستوري، ماسا بجوهره ومضمونه.
56/2008 دستوري
وقد ورد ملف الدعوى الى ادارة كتاب هذه المحكمة حيث قيدت في سجلها برقم 56 لسنة 2008 دستوري وتم اخطار ذوي الشأن واودع المدعي عليه الأول مذكرة طلب فيها رفض الدعوى تأسيسا على أنه ليس ثمة تعارض بين النص المطعون فيه واحكام الدستور، وان حق التنقل يجوز تنظيمه ووضع القيود عليه وفق احكام القانون وان ما تضمنه هذا النص لا يعدو ان يكون محض تنظيم لكيفية استخراج جواز سفر الزوجة، وقد جاء مراعيا لأحكام الشريعة الاسلامية التي اعتبرها الدستور اصلا ينبغي ان ترد اليه النصوص التشريعية كما ان ما سعى اليه النص المطعون فيه ليس الا حفظا لكيان الاسرة وتقوية لأواصرها، توكيدا لما نص عليه الدستور في المادة 9 منه.
مذكرة الفتوى والتشريع
هذا وقد نظرت هذه المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وقدمت ادارة الفتوى والتشريع مذكرة بدفاع الحكومة طلبت فيها الحكم: اصليا: بعدم قبول الدعوى الدستورية لانتفاء المصلحة فيها، بمقولة ان الفصل في طلب المدعية لا يتطلب بحكم اللزوم الفصل في المسألة الدستورية، واحتياطيا: برفض الدعوى على اساس ان ما تضمنه النص المطعون فيه انما قصد التأكيد على حق الزوج بالإذن لزوجته بالسفر باعتبار ان له القوامة عليها شرعا، مستهدفا بذلك صون الاسرة وعمادها الاخلاق والتمسك بأهداب الدين ووجوب طاعة الزوجة لزوجها حتى تستقيم الحياة الزوجية ولا تنهار الاسرة التي هي اساس المجتمع، وان هذا النص وان نظم موضوع تنقل الزوجة الا ان هذا التنظيم لم يحظر حق الزوجة في هذه الحالة او يهدره، كما لم ينل من ولاية القضاء او يعزل المحاكم عن نظر ما عسى ان يثور من منازعات متمخضة عن اساءة استعمال الزوج لحقه. كما قدمت المدعية مذكرة عقبت فيها على ما جاء بمذكرة الحكومة طالبة الحكم بقبول الدعوى لتوافر المصلحة فيها، والقضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه باعتبار انه اهدر حق الزوجة في استخراج جواز سفر مستقل، ومنح الزوج الحق في الموافقة أو الرفض دون قيد أو ضابط، وفي اطلاق يتنافى مع الحرية الشخصية ويمثل تقويضا لحق التنقل، واخلالا بمبدأ المساواة وهي حقوق كفلها الدستور، وقد قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
حيث انه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – انه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك ان يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية وذلك بان يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع.
لما كان ذلك، وكان البين من الاوراق ان ما قدرته محكمة الموضوع من احالة نص الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 11 لسنة 1962 في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم 105 لسنة1994 الى هذه المحكمة، يدل على ان وجه المخالفة الدستورية التي ارتأتها محكمة الموضوع في شأن النص التشريعي المحال منها يتمثل فيما تضمنه هذا النص من قيد مبناه انكار حق الزوجة في استخراج جواز سفر مستقل، وان مرد الأمر في هذه المخالفة هو وجود تعارض بين هذا النص وبين احكام الدستور، باعتبار ان ما احتواه هذا النص يتنافى مع الحرية الشخصية ويخل بمبدأ المساواة وينطوي على انتقاص من حق دستوري كفله الدستور، وهو حق التنقل والسفر الذي لا تتأتى مباشرته الا بعد الحصول على جواز السفر، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق المدعية في استخراج جواز سفر مستقل لها دون القيد الوارد بالنص المطعون فيه، وكان الفصل في مدى دستورية هذا القيد هو مدار الدعوى الدستورية الماثلة التي يبتغي بها ابطاله وتجريده من كل اثر، فان امر الفصل فيها يكون ومن ثم مرتبطا بالنزاع الموضوعي باعتبار ان الحكم في المسألة الدستورية يؤثر بالضرورة في الطلب الموضوعي المتصل بها، متعلقا بأبعاده بما يكفي ذلك بتحقق المصلحة المعتبرة قانونا لقبول الدعوى الدستورية، وبالتالي فان الدفع بعدم قبولها المبدى من ادارة الفتوى والتشريع بمقولة ان الفصل في المسألة الدستورية ليس بلازم للفصل في النزاع الموضوعي يكون غير قائم على اساس صحيح متعينا رفضه.
وحيث ان مبنى النعي على نص الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 11 لسنة 1962 في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم 105 لسنة 1994- حسبما يبين من حكم الاحالة – ان هذا النص قد جاء مخالفاً للمواد 29 و 30 و31 من الدستور.
حرية التنقل
وحيث ان حرية التنقل – غدوا ورواحا – بما تشتمل عليه من حق كل شخص في الانتقال من مكان الى اخر والخروج من البلاد والعودة اليها تعتبر فرعا من الحرية الشخصية وحقا اصيلا مقررا له حرصت معظم دساتير العالم على تأكيده، وضمنته المواثيق الدولية – التي انضمت اليها دولة الكويت – على نحو ما ورد بالاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 الذي جاء بديباجته ان الحقوق المنصوص عليها فيه مرجعها ايمان شعوب الامم المتحدة بالحقوق الاساسية للانسان وبقيمة كل فرد وكرامته، وضرورة ان يعامل مع غيره وفقا لمقاييس تتكافأ مضمونها فلا يضطر مع غيابها الى مقاومة القهر والطغيان، وانما يكون ضمانها كافلا معايير افضل لحياة تزدهر مقوماتها في اطار حرية اعمق وابعد، وكان من بين هذه الحقوق تلك التي نص عليها في المادة 13 منه على ان «لكل فرد الحق في مغادرة اي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة الى بلده»، كما جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية معززا الاحرام لحقوق الانسان وحرياته الاساسية، مؤكدا هذا الحق بالنص في البند 2 من المادة 12 منه على ان «لكل فرد حرية مغادرة اي بلد بما في ذلك بلده».
هذا وغني عن البيان أن الإسلام (ذلك الدين القيم) سبق الدساتير الوضعية بأكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، فكفل حرية التنقل لكل فرد حسبما يريد، سواء كان ذلك داخل ارجاء بلده أو سفرا إلى خارجه، وأباح له التنقل من بلد إلى آخر طلبا لدين او طلبا لأمر دنيوي، كما دعا الإسلام المسلمين كافة إلى السير في الأرض والمشي في مناكبها والسياحة فيها للتدبر والاعتبار والتعلم وكسب الرزق، بقوله سبحانه وتعالى (التائبون العابدون الحامدون السائحون.. ـ سورة التوبة: 112)، و(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ـ سورة الأنعام: 11)، و(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ـ سورة الملك: 15)، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الغراء من حرية التنقل قاعدة عامة وتقييدها هو الاستثناء الذي لا يكون إلا لضرورة ـ تقدر بقدرها ـ ولمصلحة عامة، مردها إما حماية العقيدة الإسلامية أو المحافظة على الصحة العامة أو المحافظة على الأعراض والآداب الإسلامية، كما لم تمنع الشريعة الإسلامية السمحاء المرأة من السفر مادامت مع محرم، أو زوج، أو مع رفقة مأمونة على نحو ما ذهب إليه بعض الفقهاء، والتزمت المرأة الضوابط الشرعية بحدودها وآدابها.
ذكر أو أنثى
لما كان ذلك، وكان لكل كويتي ـ ذكرا كان أو أنثى ـ الحق في استخراج جواز السفر وحمله باعتبار ان هذا الحق لا يُعد فحسب عنوانا عن انتمائه للكويت الذي يعتز به ويفتخر سواء داخل وطنه أو خارجه، بل يعتبر فضلا عن ذلك مظهرا من مظاهر الحرية الشخصية التي جعلها الدستور الكويتي حقا طبيعيا يصونه بنصوصه ويحميه بمبادئه، فنص في المادة 30 منه على أن «الحرية الشخصية مكفولة»، ونص في المادة 31 من انه «لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه.. أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة او التنقل إلا وفق أحكام القانون..» دالا بذلك على اعتبار الحرية الشخصية اساسا للحريات العامة الأخرى وحق أصيل للإنسان. وقوامها الاستقلال الذاتي لكل فرد، وإرادة الاختيار تمثل نطاقا لها لا تتكامل شخصيته بدونها، ومن دعائهما حرية التنقل وحق السفر المتفرع منها، وهي في مصاف الحريات العامة لا يجوز مصادرتها بغير علة، أو مناهضتها دون مسوغ، أو تقييدها بلا مقتض، وقد عهد الدستور طبقا للنص سالف الذكر إلى السلطة التشريعية بتقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن يكون تحديد شروط استخراج جواز السفر ـ وهو الوثيقة التي بمقتضاها يكون ممارسة الحق، ومن دونها يزول هذا الحق ويصبح هباء منثورا ـ الأصل في شأنها هو المنح استصحابا لأصل الحرية في التنقل والاستثناء هو المنع، وأنه وإن كان تنظيم حق التنقل والسفر يقع في نطاق السلطة التقديرية التي يمكلها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق كما سلف البيان، إلا أنه من غير الجائز أن يفرض المشرع تحت ستار هذا التنظيم قيودا يصل مداها إلى حد نقض هذا الحق، أو الانتقاص منه، أو إفراغه من مضمونه، كما أنه من المتعين على المشرع ألا يخل في مجال هذا التنظيم بالتوازن المفروض بين نصوص الدستور واحكامه التي تتكامل فيما بينها في إطار واحد.
جواز سفر مستقل
وحيث انه متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد جرى على غير هذا المنحى، فجعل الأصل هو عدم جواز منح الزوجة جواز سفر مستقل، مشترطا موافقة الزوج لها بذلك، منكرا النص على الزوجة البالغة الرشيدة، التي شملها النص بعموم عباراته، الحق في استخراج جواز سفر مستقل لها، على الرغم من استقلال شخصها، وبلوغ رشدها، واكتمال أهليتها، ووجوب تمتعها بالحقوق عينها التي كفلها الدستور، على نحو يمثل اهدارا لإرادتها وافتئاتا على إنسانيتها، مقيدا بذلك حريتها وحقها في التنقل بغير مبرر، فاستقلال شخصها لا يعني بالضرورة خروجها على طاعة زوجها، ولا دليل على أن حصولها على جواز سفر مستقل في حد ذاته يجافي مصلحة اسرتها، أو يوهن علاقتها بزوجها، أو يقلص دوره، أو ينتقص من حقوقه الشرعية. مما يغدو معه النص المطعون فيه مخالفا لأحكام الدستور المنصوص عليها في المواد 29 و30 و21، ويتعين من ثم القضاء بعدم دستوريته. وغني عن البيان في هذا المقام أن إبطال النص المطعون فيه وإقصاءه عن مجال أعماله نزولا على حكم الدستور، لا يخل بحق الزوج طبقا للقواعد العامة في ان يمنع زوجته من السفر متى قام دليل معتبر على أن من شأن استعمالها لهذا الحق أن يلحق ضرر به أو بأسرتها، باعتبار انه من غير الجائز أن يكون استخدام الحقوق بقصد الإضرار بالآخرين، كما أن إبطال النص لا يخل ايضا بحق المشرع في أن يتولى تنظيم استخراج وتجديد جواز السفر للزوجة وسحبه، موازنا في ذلك بين حرية التنقل بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه وبين ما تنص عليه المادة 9 من الدستور من كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الاسرة بما يحفظ كيانها ويقوي اواصرها، ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات العامة على نحو ما تنص عليه المادة 29 من الدستور، ودون اخلال بأحكام الشريعة الاسلامية الغراء وما تقضي به المادة 2 من الدستور من أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 11 لسنة 1962 في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم 105 لسنة 1994، وذلك فيما تضمنته من النص على أنه «لا يجوز منح الزوجة جواز سفر مستقل إلا بموافقة الزوج».