عدنان الشمري
في ظل العولمة والصراع الفكري والحضاري غير المتكافئ بين شعوب العالم والذي أدى إلى هيمنة الثقافة الغربية على باقي الثقافات، وفي ظل طغيان المادة على الروح والمفاهيم والقيم الأخلاقية، وتحت وطأة التأخر الثقافي والفكري والعلمي الذي تعيشه المجتمعات العربية، أطلت علينا قناة أبوظبي الفضائية ببرنامج أعاد ذاكرة الأمة العربية إلى الوراء، عدنا مع هذا البرنامج إلى الأيام الخوالي التي كانت معها الأمة تعيش حالة من الازدهار والمجد، وعادت مسامعنا تشعر مرة أخرى بمفردات لغتنا الجميلة وذلك من خلال برنامج «أمير الشعراء»، والذي من خلاله يتسابق الشباب العربي بالتباري على الإبداعات الشعرية واللغوية وكأننا نعيش زمن سوق عكاظ والمعلقات. فأنا عندما أتابع هذا البرنامج يخيل لي أن ألوان الشعر التي درستها خلال المرحلة الثانوية عادت وتم إحياؤها من جديد.
محاولة موفقة وجهد مشكور للقائمين على هذا العمل الرائع، لأنه حتما خطوة مهمة نحو إعادة تداول مفردات اللغة العربية بين أجيال الألفية الثالثة، هذا العمل أتى بعد أن تناسى الجميع لغة الضاد وبعد أن أصبحت مفردات لغة القرآن الكريم تحتاج إلى من «يترجمها»، بعد أن شاعت بيننا لغات ولهجات أجنبية. فصرنا نكتب رسائلنا النصية بلغة «الشات» الهجينة والمكونة من عدة لغات، وصار الكثير من شبابنا العربي يحيي بعضه بـ «شالوم» و«شاو» و«كيفو»، وأصبحنا نتشدق بإطلاق المفردات الأجنبية على لباسنا ونتباهى بإطلاق الأسماء الأجنبية على وجباتنا اليومية التي نتناولها، حيث أصبح الواحد منا يبدأ صباحه بـ «البريك فاست» ويأكل الـ «الفاست فود» إذا جاع. فبعد كل هذا التغريب الثقافي والفكري الذي أصبح الكثير من الشباب العربي يعيش تحته، ظن الجميع أن اللغة العربية قد دخلت مرحلة اللاعودة والاندثار والاختباء تحت عباءة التأخر الثقافي والعولمة، ولكن ما شاهدناه على مدار عدة مواسم من تنافس بين الشباب العربي من الجنسين على عرض قدراتهم الشعرية، والتي تنم عن أن هناك من يعمل وبخفاء ودونما ضجيج على أن تبقى لغتنا العربية متواجدة وتنبض بالحياة لأن هناك من يعشقها في صفوف الشباب العربي، أصبح من يهتم بشأن اللغة العربية متفائلا. وما برنامج أمير الشعراء إلا نموذج وشاهد عيان على الجهود والمحاولات العديدة لإرجاع لغة الضاد إلى موقعها.
ولكن ما شاهدته من أسلوب قاس لبعض أعضاء اللجنة القائمة على هذه المسابقة، يدعو إلى الشعور بالقلق على استمرار هذا البرنامج. لأن ما يقوم به المتسابقون ما هو إلا محاولات وخطوات نحتاجها في الوقت الحالي، ولا داعي إلى تعنيف وتقريع المحاولات الخاطئة بصورة تظهر صاحب هذه المحاولات أمام الملأ وكأنه يلعب أو يلهو. هذه القسوة المحرجة لإظهار الأخطاء الشعرية لبعض المتسابقين ستكون عائقا أمام من يريد المحاولة وستؤدي إلى تناقص المتبارين في السنوات القادمة. يجب التشجيع ويجب أن يفكر القائمون على هذا العمل على التعاون مع المراكز الثقافية واللغوية المنتشرة عبر عالمنا العربي، وذلك عبر إيجاد برامج تدريبية وتثقيفية لعشرات البدعين، وتأسيس مهارات الشعر العربي واللغة لدى براعمنا بدلا من توبيخهم بالصورة المؤلمة التي شاهدتها.