يبدو أن العمل السياسي في الكويت أصبح يتخذ منحى واحدا، والنتائج باتت كلها صورة كربونية لهدف واحد وهو تغليب المصالح الشخصية على الصالح العام، وأصبح بعض اللاعبين في المشهد السياسي وبالأخص بعض أعضاء مجلس الأمة ينتهجون سياسات متعددة تصب في خانة واحدة وهي تكريس أجواء التأزيم وجر البلاد إلى منعطفات سياسية خطيرة، كما أن عدم الاستماع إلى صوت العقل والحكمة وعدم الالتفات إلى آراء العقلاء بات سمة بارزة لبعض من استهوته أجواء التهديد والصراخ والاستعجال.
قضية الشيك السياسي الذي كان الشغل الشاغل للنائب فيصل المسلم، والذي هدد من خلاله مرارا باستجواب سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، والذي كان المادة الرئيسية له خلال جميع ندواته ولقاءاته الصحافية والتلفزيونية، أصبح اليوم فعلا كرة ثلج متدحرجة قد تدخل البلاد في نفق سياسي طويل، فقد انكشف للجميع أن الشيك لم يصرف من محفظة المال العام وإنما من حساب شخصي لسمو رئيس مجلس الوزراء، وقد أدى الأمر إلى توريط أفراد وجهات مالية في البلاد من المفترض أن تكون مؤتمنة على أسرار شخصية، هذه القضية ستأخذ زخما قضائيا متعدد الأوجه، فصرنا لا نعلم من سيرفع قضية على من؟ ولم نعد نعرف ما هو الأهم في هذه الأجندة الآن، فهل هو إثبات وجهة نظر النائب، أم الدفاع عن مبدأ صون الحرية الشخصية للشخصيات العامة، أم البحث عن مسألة ظاهرة تسرب الأوراق والمحاضر الرسمية من جهات حكومية وخاصة بصورة أصبحت مخيفة بشكل لا يطاق.
لقد شدد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، عدة مرات على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، وعلى معرفة استخدام الأدوات الدستورية بشكل مريح، ولكن من الواضح جدا أن هناك من يرغب في عودة صفة التأزيم وبصورة سريعة إلى خارطة العمل السياسي، إن النصيحة الموجهة للحكومة ولرموز الحكمة في مجلس الأمة، بأن من يرغب في التأزيم داخل مجلس الأمة قد أصبح أقلية غير مؤثرة، فلا تعطوا هذه الأقلية فرصة يترقبونها من أجل الدفع بحل المجلس بغرض لملمة صفوفهم لتغيير تركيبة مجلس الأمة الحالي والذي من الواضح أنه لا يعجبهم، أما السادة الأعضاء الذين مازالوا يصرون على ركوب قطار الاستجواب والتهديد، فنصيحتنا لهم بأن يهدأوا كثيرا وليس قليلا، وعليهم العودة إلى أدوات دستورية أخرى يستطيعون من خلالها الحصول على مبتغاهم، فقضية الشيك كان من الممكن أن تتم مداولتها منذ البداية عبر لقاءات ودية مع الأطراف الحكومية المعنية، وكشف الحقائق من خلال تلك اللقاءات أو من خلال عمل اللجان المختصة داخل المجلس، أو عبر توجيه أسئلة برلمانية دون استخدام عاصفة سياسية شديدة محملة بأتربة ستضر بعيون الجميع.
[email protected]