الإنسان بطبعه سائر غير متوقف، سواء أكان ذلك في الطريق الصواب ام الخطأ، البعض يسير ويحثّ الخطى، ثم يتغير مساره فجأة حسب آراء من حوله!
في بداية مسيرة الكاتب والأديب العظيم «أنيس منصور» قرر أن يكتب، ولكن لا يعلم أين يتجه به القلم، فجرب الشعر حيث يقول: «عرضت أول قصيدة من نظمي على أستاذ اللغة العربية، ووجدت أنه يقلب في أبياتها ويستعيدها ويزنها في اذنيه، وازداد احمرار وجهي وخجلي، وقبل أن يسألني قلت له: إن هذه القصيدة قد نظمها أخي الأصغر، وكأنني اعتذر عنها مع أنني لم اسمع رأيه فيها، وهز الرجل رأسه وقال: فعلا كلام موزون ولكنه ليس شعرا.. قل لأخيك يلعب في الحارة أحسن له !!».
اكفهرت الدنيا في عيني كاتبنا، واصطفقت أمواج أفكاره، حتى كادت تغرقه في بحر اليأس والقنوط، وذلك بسبب كلمة سلبية من شخص يراه في عينه قدوة، إلى أن قادته محاسن الصدف، ووقعت قصيدة كاتبنا بين يدي الأديب الكبير العظيم «عباس محمود العقاد» حيث قال عنها: «هذا شعر شاب يرى ولكنه لا يستطيع أن يلمس ما يراه، ولكن سوف تصبح ذراعاه قادرتين على اللمس والوصف»، بهذه الجملة الرائعة استطاع توجيه هذا الشاب إلى طريق آخر، ولكن بلطف شديد، وبأسلوب توجيهي فريد، قاده إلى إنتاج ضخم من المؤلفات والمقالات التي يفخر بها التاريخ، بهذه الجملة جعلته ينتقل من طريق الخنوع والفشل، إلى طريق الأبهة والنجاح.
بذات الأسلوب الذي استخدمه «العقاد» مع تلميذه، علينا أن نعمل به مع من حولنا، علينا ألا ننتقد الشيء بعينه، بل من حوله، بمعنى ألا نقول الرحلة كانت سيئة، بل نقول الرحلة كانت جيدة ولو كان هناك وقت أطول للمرح لكان أفضل!!
مجمل القول:
لو يعلم القدوات والإعلاميون والكتاب السلبيون أين تقع كلماتهم من نفوس الناس لانعقدت ألسنتهم، وارتجفت أقلامهم، وترددوا كثيرا قبل أن يقولوا شيئا.. إن الكلمات تخترق الحجب في الذات الإنسانية، وتنتظر من يرويها بديبلوماسية التوجيه، عندها فقط نستطيع أن ننقلهم من طريق الالتباس والتردد إلى طريق الحزم والتقدم.
@A_F9966