هذا هو البحث العلمي في العالم العربي الذي يصلح لان يدخل موسوعة غينيس للارقام القياسية للاشكاليات التي يعاني منها. هذا هو البحث العلمي الذي جعل من الصغار كبارا ومن الكبار عظماء. هذا هو البحث العلمي الذي من خلاله لا نستطيع التقدم ولو لشبر واحد بسبب ضعف التمويل المالي اللازم الذي يتجه الى الاماكن الاسرع ربحا والآمن مكانا والأضمن نتيجة ورصد الميزانيات للبحث العلمي تعني بالنسبة للعالم العربي هدرا للمال العام اضافة الى الامية التي تعتبر اخطر العوامل على نشاط البحث العلمي والتي تنخر كالسوس في الجسم العربي المتعب الذي تعود على عصا الدول المتقدمة، فبقي هذا الجسد معلقا مصيره عليه خاصة اذا كانت هذه العصا مرتبطة بخيط رفيع مربوط في الخارج.
نحن على حافة الهاوية، سنسقط ان لم نستيقظ في اي لحظة، اغيثوا انفسكم واغيثونا معكم والا فستبقى هجرة العقول والادمغة الى الخارج سارية المفعول، أمّنوا الاستقرار للباحثين، وهنا نتكلم عن الاستقرار النفسي لا الاستقرار المكاني. فانا لم اجد في اوروبا يوما اي عقد او التزام يضع الباحث تحت سندان بنوده او يقيده بوقت او زمن او يضع عليه شروطا جزائية، غريب امرك يا عربي. فانت بأمسّ الحاجة الى بصيص بحث، وعند توافر الباحثين تنهكهم بشروطك وتحفظاتك فقط لانك تملك المال الممول.. في فرنسا تعرفت الى باحثة لبنانية في مجال علم الجراثيم، وهي تقوم بالتحضير للدكتوراه في جامعة مونبيلييه.
منحة من الدولة الفرنسية ومفتوحة وقيمة المنحة للدراسة تعادل راتب اهم استاذ في اهم جامعة في العالم العربي، هذا هو الاستقرار، عُرضت عليها الجنسية الفرنسية واكرر، عُرضت عليها ولم تطلبها، عُرض عليها التدريس في الجامعة مع انها لم تحصل على شهادة الدكتوراه، عُرض عليها التمديد. لم اسمع منها انها تعاني من منافسة ولا غيره ولا يحزنون. هل ستصمد امام هذا الكم الهائل من العروض ام انها ستعود الى العالم العربي لتشحذ وظيفة من شخص ضحك له الزمن فوضعه في طريق العلماء يقرأ في سيرهم الذاتية فلم يفهم منها شيئا ليعود ويسأل من واسطة فلان؟ هذا هو واقع الحال، بقيت صديقتنا في فرنسا وهاهي في سن الـ 27 تشغل منصبا مهما فيحترمها اساتذتها الذين درسوا لها ان هجرة العقول وضعف التسهيلات اللازمة لأعضاء هيئة التدريس في المشاركة في المؤتمرات والندوات في حقل تخصصهم داخل وخارج البلد سيزيد من الطين بلة.
واخيرا نشرت مجلة يديعوت مقالا ذكرت ان الكيان الصهيوني ينفق ما يقارب 30% من الموازنة على ابحاثه، اذ بلغ الانفاق 3.8 مليارات دولار عام 2004 وهذا الرقم يزيد على ضعف ما انفقته الدول العربية في مجموعها على البحث العلمي في مجموع السنوات التي تلت. فهل وصلت الصورة ويبقى الاتكال على الله هو الامر المهم، ولكن من رسالتي أتوجه الى اصحاب الضمائر الى الاستثمار في اولادكم لانهم هم المستقبل الذي ننشد.
هم مستقبلنا وغدنا. ارجوكم استثمروا في تعليمهم ولا تبخلوا على دراستهم لاننا اذا لم نقم الان وننزع عنا غبار الجهل فصدقوني لم تقم لنا قائمة في المستقبل لان العالم يكون قد بدأ يتجول في الصحون الفضائية.
[email protected]