يحكى أن أسرة لديها ابن اسمه «عوض» تضع فيه آمالها وتستشرف به المستقبل لها وللوطن، هذه الأسرة تؤمن إيمانا عميقا بالتعليم الحكومي، لذلك ألحقت ابنها «عوض» بالمدارس الحكومية وهذا طبعا قبل أن ينتقل أبناء التجار من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة.
لتقتحم التجارة تأليف الكتب ويبدأ العبث في المناهج والصراع على المناقصات لطباعة الكتب المدرسية، فتغيرت منظومة التعليم الحكومي ككل وباتت المناهج نغمات تعزف على أوتار الدينار، حتى وقبل قياس مخرجاتها الأمر الذي انعكس سلبا على الطالب بصفته ناتج العملية التعليمية فلا الأجيال تقرأ، ولا تحسن الكتابة إلا من رحم ربي وما أقلهم واستبعد من هؤلاء الطلبة المحصنين في التعليم الخاص.
شاب التعليم ما شابه من فساد تحت مظلة تأليف المناهج ومواكبة تكنولوجيا العصر والمخرجات من سيئ إلى أسوء، فالنظر إلى كتب مناهج التعليم على أنها مناقصات ترسو على شركة تلو الأخرى بالواسطة والمحسوبية التي دخلت حتى في لجان التأليف وكل من هب ودب أمسى ضمن مؤلفي المنهج .
ورغم المطالبات بتخفيف الحقيبة المدرسية تضاف مواد وتزداد الكتب في منظور تجاري بحت أسهمه عالية الاخضرار.
وبعد الصراع الجهيد مع التعليم ومناهج التربية قرر الطالب «عوض» ترك الدراسة والمدارس والاتجاه للتجارة، ولأنه مازال غضا طريا لا حيلة له في المنافسة وتجار البلد قرر «عوض» أن يكون بائع ذرة في الأماكن العامة لعل وعسى يكون له من اسمه النصيب.
في الوقت الذي قررت فيه التجارة توسيع مواردها من طباعة الكتب فانتشرت طباعة الكتب العامة ودور النشر ولا يهم مضمون الكتاب ولا الكاتب، المهم الطباعة وتحول المنظور إلى الكتاب على أنه سلعة بلا فكر خاوية المعنى ويقام لها معرض كتاب ولمدة عشرة أيام وتسويق وإعلام على سبيل بيع الكتب.
ولأن الثقافة لا تنهض بالمتاجرة، ولأن كتب المعرض ليست ككتب المدرسة فرض عين كانت مبيعات «عوض» للذرة أكثر حصادا من بيع الكتب لأن الفكر التجاري أسقط من حسبته أن مخرجات التعليم الحكومي لا تنهض بالطالب ليكون كاتبا ولم ترتق بزملائه ليكونوا قراء. ليشرق بصيص المستقبل التجاري الحقيقي للذرة كغذاء رابح للعقول التجارية لتبدأ منافسة «عوض» عليها.
ولا عزاء للقراء في الكتب.. ولا عزاء للتعليم في المناهج.. والعوض في الذرة.. وعليه العوض ومنه العوض.
tfkeeer@