المنطق يقول إنك إذا استمررت في فعل ما تفعله الآن، فإنك ستحصل على ما تحصل عليه الآن ليس أكثر. لدينا مشكلة في النظام التعليمي، تتمثل في تواضع مستوى مخرجات التعليم سواء في الجانب المعرفي أو السلوكي، فمستوى طلابنا لا يتناسب على الإطلاق مع الجهود الكبيرة التي تبذل والأموال الطائلة التي تصرف خلال سنوات الدراسة التي تمتد لاثنتي عشرة سنة في المدارس إضافة إلى ثلاث سنوات في رياض الأطفال. هذا الواقع المؤسف سببه بالتحديد هو النظام التعليمي ذاته وليس شيئا آخر، فالمشكلات الكثيرة التي تظهر باستمرار في المدارس سواء على مستوى هيئة التدريس أو الطلبة أو الإدارات المدرسية أو المبنى المدرسي أو المناهج وغيرها ما هي إلا مظاهر ونتائج طبيعية للخلل الأصلي الموجود في طبيعة النظام التعليمي، فهو بمثابة الخطيئة الأصلية التي ستظل تنتج دائما «خطايا» ومشكلات مادامت آلية العمل الحالية مستمرة، أي أننا سنحصل باستمرار على ما نحصل عليه الآن من مستوى متواضع في مخرجات التعليم زائد مشكلات لا حصر لها مادامت وزارة التربية مستمرة في فعل ما تفعله الآن.
أين الخلل؟ الخلل في آليات صنع القرار التي تحدد شكل النظام التعليمي ومحتواه وطريقة تنفيذ السياسة التعليمية، فما يحدث فعليا أن وزير التربية بمنصبه الوزاري لديه صلاحيات مطلقة لاتخاذ أو إلغاء أي قرار، وإذا كان الوزير ديموقراطيا ويحترم التخصص والآراء الفنية فإنه في أحسن الأحوال سيتخذ قراراته بناء على ما يتفق عليه مجلس الوكلاء، الذين إذا كانوا ديموقراطيين بدورهم ـ وهو على خلاف الواقع ـ سيستأنسون بآراء مديري المناطق التعليمية هكذا تتخذ القرارات المصيرية التي تحدد كل ما له علاقة بالتعليم العام في الكويت. ومع احترامنا الشديد لكل العاملين بوزارة التربية وبشكل خاص للقياديين كأشخاص إلا أننا نعتقد بأنهم غير مؤهلين لهذه المهمة الكبيرة، ليس لعيب فيهم أو بقدراتهم وكفاءتهم، وإنما لطبيعة تخصصاتهم وخبراتهم، فهم في النهاية وفي أحسن الأحوال معلمون ومعلمات تدرجوا في الترقية حتى أصبحوا مديري مناطق تعليمية أو وكلاء مساعدين أو وكلاء، فهم خبراء في مجالات تخصصاتهم وليس في رسم سياسة التعليم وصنع القرارات التي تحدد شكل النظام التعليمي ومحتواه، وأنا معلم وأعرف أنني وبعد تجربة ١٤ عاما في التدريس غير مؤهل لهذه المهمة لأنني غير متخصص في هذا المجال، وما ينطبق علي كمعلم ينطبق على قياديي وزارة التربية، ومرة أخرى هذا ليس عيبا أو انتقاصا من قدراتهم، فكوني معلما ناجحا لا يعني أنني أصلح للتخطيط التربوي أو أنني قادر على صنع نظام تعليمي.
منذ ما يزيد على ١٦ عاما تقريبا تنبه المسؤولون لهذا الوضع الخاطئ، ووجدوا أن أفضل طريقة للخروج من هذه الدوامة من خلال تأسيس مركز متخصص يديره نخبة من أهل الاختصاص كل في مجال تخصصه تكون مهمته رسم سياسة التعليم وتشكيل النظام التربوي بصورة علمية وتكون له استقلالية عن وزارة التربية التي سيكون دورها محصورا في تنفيذ القرارات التي تصدر عن هذا المركز، واستمرت الدراسات والتحضير لهذا المشروع حتى تحقق الحلم في عام ٢٠٠٦ عندما أصدر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مرسوما أميريا بإنشاء المركز الوطني لتطوير التعليم في عهد وزير التربية الأسبق د. عادل الطبطبائي، غير أن ما حدث أن وزيرة التربية السابقة نورية الصبيح قامت بتعطيل المشروع وإلغائه لا نعرف لماذا، ولكن بالتأكيد ليس انتقاما من د. الطبطبائي. الآن، إذا كانت الحكومة ووزارة التربية تحديدا ومجلس الأمة جادين في حل مشكل التعليم وتجاوز هذا الواقع المزري الذي جعل طلابنا يحصلون على ترتيب ٤٤ من أصل ٤٦ بين دول العالم، فعليهم أن يفكروا جديا في إعادة العمل بمشروع المركز الوطني لتطوير التعليم مرة أخرى، وإلا فلن نحصل على نتائج جديدة مادمنا نقوم بنفس العمل.
[email protected]