محمد الخالدي
وصلت إحدى السيدات إلى المطار مبكرة، فوجدت أن لديها بعض الوقت فقررت أن تشتري كتابا وعلبة بسكويت في انتظار موعد الإقلاع، جلست تقرأ ومدت يدها على علبة البسكويت، فلاحظت أن الرجل الذي يجلس بجانبها قد مد يده هو الآخر وتناول قطعة بسكويت من نفس العلبة، تأففت قليلا ثم تناولت قطعة أخرى، فتناول الرجل أيضا قطعة أخرى من البسكويت، ازدادت نبرة التوتر وقالت في نفسها إن هذا الرجل قليل الأدب، كيف يجرؤ على أخذ ما ليس له.
استمرت في القراءة وكانت كلما تناولت قطعة بسكويت تناول الرجل أيضا قطعة أخرى وهي لاتزال تتأفف وترمقه بنظرات الازدراء والاحتقار، إلى أن بقيت قطعة واحدة فقالت لنر الآن كيف سيتصرف هذا الأحمق، فقام الرجل بكل هدوء وقسم قطعة البسكويت إلى نصفين، تناول نصفا وترك للسيدة الغاضبة النصف الآخر.
جن جنونها فقامت من مكانها بعد ألقت عليه بضع كلمات بذيئة، أما هو فلم يبادلها إلا ابتسامة هادئة.
في الطائرة، مدت المرأة يدها في حقيبتها لتأخذ غرضا ما، فصعقت عندما وجدت علبة البسكويت خاصتها لاتزال غير مفتوحة، فأدركت أنها طوال تلك الفترة كانت تأكل من علبة الرجل، والذي كان شديد الكرم والذوق لدرجة أنه قاسمها حتى القطعة الأخيرة دون أن يغضب أو يتضايق.
أحست بصفعة قوية على وجهها من فرط الخجل، وتمنت لو أنها تستطيع أن تقفز من الطائرة لتعتذر عن تصرفها ولكن هيهات.
في حياتنا أشياء لا يمكن إصلاحها بعد كسرها، كما لا يمكن إرجاع الكلمة بعد نطقها، والكلمة المكتوبة أشد خطرا وظلما من غيرها إن لم نراعِها ونراقب حقوق الناس علينا ونراقب ضمائرنا قبل ذلك.
ومن يراقب كثيرا مما يكتب في صحافتنا اليوم يلمس بوضوح شدة القسوة في الاتهام وتمادي كثير من الأقلام في التجريح بلا مبرر.
لسنا بحاجة إلى كل هذا العويل والمبالغة في الإساءة إلى الناس بدعوى النقد وهو أبعد ما يكون عن ذلك.
صحافتنا مقروءة في الخارج قبل أن تكون مقروءة في الداخل، ولابد أن نتحلى بروح النقد السليم والابتعاد عن الشخصانية والإساءة إلى الآخرين والتشكيك في الذمم.
فلسنا على كل حال مؤهلين للحكم على البشر وعلى نواياهم.
بعض الكتاب مع الأسف الشديد لا يريدون التمييز بين ما هو من أصول الدين ومبادئ الشريعة، وما هو تصرفات شخصية لأفراد يسيئون جهلا أو عمدا إلى تلك المبادئ والقيم.
فتراهم يجتهدون في القدح والتجريح والتجرؤ على القيم بسبب تصرفات الأفراد.
وفي كثير مما يكتب اليوم من استهزاء وسخرية من اللحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها خير دليل على ما نقول، متناسين أن إطالة اللحية هي سنة رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابته الأطهار، وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما في الحقيقة آية في القرآن الكريم وليسا من ابتداع أعضاء مجلس الأمة «الإسلاميين».