محمد الخالدي
كثيرا ما نلجأ في أحاديثنا مع بعضنا البعض إلى إعطاء مقدمة نعتبرها ضرورية جدا قبل البدء بالكلام، كأن نقول «أنا درست في أميركا وأعرف المجتمع الأميركي» إذا كان موضوع الحوار عن أميركا، أو نقول «أنا درست مادة في الاقتصاد بالجامعة» إذا كان الموضوع عن الاقتصاد، أو نقول «أنا خريج المعهد الديني» إذا كان الحديث في مسألة شرعية، أو نقول «أنا أخذت دورة تدريبية في التعامل مع الآخرين وأفهم الناس» عند الحديث عن شخصية عامة..الخ هكذا بكل بساطة نلجأ إلى تكوين هالة من العظمة والتخصص لأنفسنا قبل أن ندلي بأي رأي حول أي موضوع.
أما لماذا نلجأ إلى هذا الأسلوب وندعي لأنفسنا القدرة والتمكن من الحديث في كل المواضيع؟ لأننا لا نؤمن بتبادل الآراء ولا نسعى للتعبير عن أفكارنا وآرائنا من خلال الحوار، وإنما نريد «فرض» تلك الاعتقادات والأفكار على الآخرين من خلال إيهامهم بأن ما نقوله هو الصحيح، أنه كلام علمي، أنه «حقيقة» صادرة من شخص متمرس عاش في أميركا أو درس مدخل إلى علم النفس (مش أي كلام يعني)
كنت أستمع إلى اثنين من المعلمين يتناقشان حول مسألة علمية، أحدهما معلم فيزياء والثاني معلم مواد تجارية (إدارة أعمال) فكان الفيزيائي يقول «أنا متخصص في الفيزياء وأتكلم عن علم» عندما كان الحديث عن مفهوم «الحقائق العلمية»، ثم قال «والدي شاعر وأنا مش بتكلم كلام عبط» عندما تحول الحديث إلى الأدب، ثم قال «دراستي أساسا في فلسفة الفيزياء» عندما تحول الحديث مرة أخرى صوب الفلسفة، ثم قال «أنا مهتم بالاقتصاد وقرأت كتبا كثيرة في الاقتصاد» عندما تحول الحديث مرة ثالثة إلى الاقتصاد الإسلامي، وأتوقع بأنه سيكون رجلا خارقا لو استمر الحديث أكثر لأنه على ما يبدو لديه سبب وجيه يجعله قادرا على «فرض» رأيه في كل المواضيع.
واضح إذن أنه لم يكن يريد التعبير عن وجهة نظره أو رأيه، وإنما كان يقول ضمنيا «كلامي هو الحقيقة التي يجب أن تأخذ بها». وهذا أمر نلاحظه عند الكثيرين، وهو أسلوب يمارسه بشكل أبشع كثير من رجال الدين عندما يخلطون آراءهم الشخصية وفهمهم الخاص بنصوص مقدسة ويدعون أن ما يقولونه هو «الحقيقة المطلقة» في الدين، ولذلك ليس من الغريب أن نطلق على علمائنا ألقابا مثل «بحر العلوم» و«حجة الزمان» و«فريد عصره» وغيرها من أوصاف العظمة ليسهل بعد ذلك اعتبار «كل» ما يقولونه «فرض عين» على كل مسلم.