محمد الخالدي
بعد أيام ستحتفل ألمانيا ومعها العالم بذكرى مرور 20 عاما على سقوط جدار برلين، ذلك الجدار الذي قام عام 1961 ليمزق ألمانيا ويفرق شعبها ويفصل العالم إلى كتلتين شرقية شيوعية وغربية رأسمالية بكل ما يحمله ذلك التقسيم من ويلات ومعاناة كابدها ملايين البشر لسنوات عديدة بلا معنى.
جدار برلين لم يكن مجرد حجر يعزل الشعوب عن الالتقاء، بل كان وسيلة للتمييز بين الناس فتسبب في تغيير مسيرة التاريخ وملامح الثقافة.
واليوم عندما ينظر المرء إلى ألمانيا بعد تلك التجربة القاسية والدمار الهائل الذي خلفته تلك الحروب العبثية يجد نفسه مذهولا أمام عظمة هذا الشعب الذي تجاوز كل آلامه وطوى صفحة مظلمة من تاريخه ليصنع من جديد دولة موحدة وعظيمة قدمت للبشرية أضعاف ما أخذت. فتحية لهذه الشعوب الحية التي تتعلم من أخطائها وتتجاوز مآسيها وتنهض فوق خرائبها.
قبل أيام وفي شهر مايو الماضي تحديدا احتفلت اليمن أيضا بذكرى مرور 20 عاما على الوحدة بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وبعد أقل من شهر واحد قامت بين أبناء البلد الواحد حرب أهلية وأصوات تنادي بإلغاء الوحدة والانفصال والعودة إلى المربع الأول، إلى حالة حرب بدائية.
وبعد أيام قليلة أيضا ستحتفل الكويت بذكرى مرور 18 عاما على تحريرها من الاحتلال العراقي، بعد أن احتفل العراقيون أنفسهم قبل أيام بمرور 6 أعوام على خلاصهم من ذاك النظام الدموي البائس، ومع ذلك نجد أنفسنا اليوم في حالة شد وصراع مع هذا البلد واجترار لخطاب ثوري حصد أرواح الملايين من الأبرياء بلا ذنب.
أوروبا عانت من ماضيها ولكنها تجاوزته وبنت على أنقاض ذاك الماضي حضارة إنسانية تنهل من معينها شعوب العالم أجمع، استبدلت أنظمتها الشمولية بأنظمة ديموقراطية يتم فيها تبادل السلطة بتنافس سلمي وحضاري فتقدمت، ونحن لا نزال نجتر الماضي ونعيش على الصراعات الاثنية والعرقية والدينية ذاتها منذ عصر الجاهلية ولا نزال نستخدم كلمات مثل أبناء القبائل والعوائل والمناطق الداخلية والخارجية وكأن الزمن ثابت عندنا لا يتحرك، صراعنا لا يختلف عن صراع أجدادنا الذين اقتتلوا 40 عاما بسبب سباق للخيول، إنها العقلية ذاتها والعناد ذاته، عقلية «داحس والغبرا» والصراع على السلطة والثروة وملايين الجوعى يبحثون عن رغيف العيش، مشاكلنا بدائية جدا نعيش في 2009 بعد الميلاد وكأننا في 2009 قبل الميلاد.
شعوب العالم تتقدم وتطور أنظمتها ووسائل ترفيهها وجماليات مدنها ونحن لا نزال نبحث في الأسس والبدايات ونفرح ونحتفل بمناسبة «مصافحة» زعمائنا وقادتنا وبناة نهضتنا وتقدمنا وتطورنا الوهمي، فماذا قدمنا للبشرية؟ لا شيء، لا شيء على الإطلاق، فنحن أمة تعيش على أقبح ما في ماضيها من تفاهات.
عشرون عاما فقط مضت على سقوط جدار برلين وقيام وحدة أوروبا ونهضتها من جديد، خمسون عاما فقط مضت على نهضة كوريا وتقدمها، 30 عاما فقط مضت على نهضة ماليزيا وتفوقها، 10 سنوات فقط مضت على تحول سنغافورة من بلد متخلف إلى البلد الخامس بالتعليم على مستوى العالم، وانظروا إلى تركيا وإيران والهند والصين واليابان، انظروا إلى العالم من شرقه إلى غربه فماذا تجدون؟ كل شعوب العالم تتطور وتتجاوز ماضيها إلا نحن أمة التخلف والفوضى لأن العقل العربي على ما يبدو ليس فيه خلايا التفكير المنطقي الموجودة في عقول بقية البشر.