ناصر الخالدي
من الطبـيعي جدا أن نـختلف في وجـهات النـظر والآراء والأفكـار التـي نراها ولا يـراها الآخرون ونقبلها بصحتـها وخطئها ولا يقبلها الآخــرون، لأن الإنسـان قــد يرى فكرة مــا ويتعصب من أجلها ولا يقبل فيها النقاش حتى ولو كـانت خــاطئـة، ومـا ذاك إلا لقنـاعـتـه الشـخـصيـة، فـأهل المبـادئ لا يتنازلون عن مبادئهم، ولذلك يقـاتلون من أجلها حتى الرمق الأخـيـر، وهناك عبـارة دائمـا أرددها وأكـرر إعجابي بها لأحد الأدباء يقول فيها: «قد أختلف معك في الـرأي، ولكنني مستـعد للتـضحـية بحياتي لتعـبر عن رأيك»، ولكن البعض يردد «مستـعد للتضحـية بحياتك من أجـل أن أعبر عن رأيي».
كثيـرا ما شاهدت وسمعت حلقات نقـاشية حول قضايا معينة وكل طرف يعرض ما لديه ومـا عنده ولا يتنازل عن مـوقـفه ويتـعـالى الصراخ وتحدث الفوضى ثم لا فائدة تذكر لأن النقـاش لم يكن من أجل البحث عن الحـقيـقة وإتباعها وما أن ينتـهي النقاش حـتى تزداد الأحقـاد والمشاكل، ومـن مدة ليـست ببعـيدة حدث هـذا الأمر في أحد الـبرامج الإذاعيـة ولم يكن الأمر يتطلب هذا الانفعال وكم من مناقشة مازالت تبعاتها موجودة إلى يومنا هذا.
كل مــا نريده ومـا نتــمناه في مــثل هذه الحلقـات النقـاشيـة سـواء في التلفـزيون أو الإذاعـة أو حتى فـيمـا بيننا هو أن نستـمع لما يقوله الآخرون ولا نقـاطعهم، فربما تصل إلى أذهاننا فكرة كنـا نجهلهـا أو مـعلومـة لم نكن نعرفـها وعلينا أيـضا أن نرتقي بلغـة الحوار لتكون شـفافة بـعيدا عن الـقذف والتجـريح، فنحن نخــتلف في الآراء والأفكار والطـريقـة ونتـفق في الإنـسـان وضـرورة احـتـرامـه، والحوار الهادف هو الذي يصل بنا إلى نتـيجة فنخرج منه بفائدة أو حقيقة أو معلومة أو على الأقل نمارس الديموقـراطـيـة بمفـهـومـهـا الصحـيح أما الفـوضى وعدم احـترام الطرف الآخر فهما سـبب العداوات الموجودة في وقتنا الحالي وبسببهمـا وصلنا إلى التفرقة وتقسيم المجتمع حتى صار الاعـتماد على الصراخ لغة الحـوار السـائدة وبإذن اللـه سـتكون اللغـة البائدة.
للأسف الشديد كثيـر من القنوات الإعلامية تسـوق لقنواتهـا بهـذه الطريقـة، تفـتح باب الحوار ليتقاتل الطرفان فترة ومن بعدها إعلان تجاري ثم تنتـهي آخر فصول المسـرحية دون فائدة تذكـر، وكم هو جميل أن نتذكـر دائما أننا أخوة مهـما اختلفنا في أمور الحيـاة ووجهات النظـر والمهم أن نتــتــفق في الإسلام وفي المصالح التي تفيد البشرية وتعود بالنفع على أوطاننا لتـزدهر الحـيـاة وتـنمـو وتولد في قاموس الحوار كلمات الأخوة والاحترام فتبث الحرية أشعتها لتنير عتمة الاختلاف.
في حـيـاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دروس وعـبر، فـهـو مؤسس نظرية الإنصات، وهو مـعلم البشرية فن الحوار، فعندمـا جاء إليه عتـبة أبوالوليد، وقال له: يا ابن أخي انك منا حيث قد علمت انك قد أتيت قومـك بأمر عظيم فرقت به جمـاعتهم وسفهت به أحلامـهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفـرت به من مضى من آبائهم، فـاسمع مني: أعرض عليك أمـورا تنظر فيها لعلك تقـبل منها بعضـها، فـقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ): قل يا أبا الـوليد.
وتركه يتكلم إلى أن أنهى كلامه لم يقاطعه ولم يرفض الاستـماع إليه، ولـم يكن رده بعد ذلك على العـروض التي قدمت إليه إلا أن قرأ آيات من سـورة «فـصلت». فـأين نحن من ذلك؟ لو جاء أحـد ما يناقـشنا في فكرة أو يبين لنا خطأ ارتكبناه لهجمنا عليه كـالسيل العرم أو كالليل البـهـيم ورحنا نـراوغـه كـمـا تراوغ الذئاب فرائسـها، فـاعتـزازنا بأنفسنا أوردنا المـهالك وأين نحن من أصحاب القرى والممالك.
خواطر
ما أحوجنا إلى ساعة من الزمن نجلس فيها مع أنفسنا ونكتب مـا بداخلنا من أفراح وأتراح وأحلام وطموحات، نصـارح أنفسنا فنكتب ما فعلناه بإرادتنا وما فـعلناه بغير إرادتنا إلى أن ينتهـي مداد القلم ثم نمسح مـا كتبنـاه ونعود إلى الحياة من جـديد ولكن من المهم أن نكتب ما بداخلنا دون مجاملة أو تضليل.