ناصر الخالدي
لا أعرف فنا أحب الى قلبي من الرثاء ففيه شيء من الحزن وأنا ارى في الحزن اشياء كثيرة وفيه شيء من الكآبة، وأنا ارى ان فقد الاحبة مصيبة ما بعدها مصيبة وكآبة ما بعدها كآبة، فما ابشع الفراق وما أبشع الانقطاع صمت فظيع ودمع غزير ولا فائدة فالرجوع أمر مستحيل وليس إلا الصبر، وهل يسلو الحبيب حبيبه؟
الحق اني رثيت كثيرا من الذين غيبهم الموت وكتبت رثاءهم بدمعي قبل ان اكتبه بحبري، ولم يعودوا رغم ما كتبت من حزن وتوجع وما كنت أعرف الرثاء ولا قصائد البعد والفراق لولا موت الرجل الذي احببته حتى النخاع وتعلقت به كأني لم أبلغ الفطام، فأنا منذ توفاه الله وحتى يومنا هذا اردد مرثيات العرب يخنقني حزني وتزداد كآبتي واشتياقي حتى يكاد يقتلني الاشتياق، واتذكر ذلك المساء الجميل وتتماثل امامي تلك المواقف فلا أجد حيلة تخلصني من هذا العذاب المستمر، ومن هو الذي ابكي لأجله؟ اتظن انه صديق؟ اتعتقد انه أخ؟ كلا فليس هو بالصديق وليس هو بالأخ اذن من هو؟
انه دنيا كانت تحيط بي من كل جانب حتى جاءها الطوفان فبقيت وحدي بلا دنيا وحدي مع بقايا الذكريات أفتش عما يخفف لوعة الاشتياق فلا اجد غير خيال يتماثل امامي حتى اذا ما جئت اصافحه تلاشى، وصحوت على الواقع المر فيارب ارحم جدي واجداد المسلمين. بالأمس تذكرت جدي واحاديثه العطرة تذكرت يوم كان الفجر يجمعنا بعبق الهواء العليل ويوم كنا مع بعضنا البعض، تلك اللحظات والله لا تنسى، فهي اجمل لحظات عمري وعندما اكتب عنها فأنا اكتب عن مرحلة من مراحل عمري لم يكن بها شيء من التفكير والحزن فقد كنت ارمي كل همومي على رجل، كان يحملها دون تملل، ومن مثله فهو الفضاء الذي كان يحويني لم يكن جدي فحسب، بل كان لي قبيلة بأكملها فسرعان ما غيب الموت قبيلتي.
انني اتحدث عن جدي الذي رأيته منذ طفولتي ومضت الايام حتى هاجمته الامراض فبدأت بيننا صداقة حميمة فكم سهرنا في ظلمة الليل البهيم نتحدث عن الحاضر وعن الماضي، لم أكن اتصور يومها اننا سنفترق، ولم اكن اتصور انني سأقف على قبره اذرف دمع الوداع، لكن الذي لم أكن اتصوره قد حدث، فيا من لديك جد وجدة لا تتأخر في برهما، حتى وان ضعفت قواهما وتغيرت احوالهما فهما جنتك وهما بركتك، وهما ذخرك فقد كنت يوما من الايام سببا لفرحتهما وسعادتهما يوم أقبلت على الدنيا ولم يكن احد اكثر منهما فرحة وسرورا بك، فلا تتنكر لهما وسارع الى رضاهما فوالله رضاهما تجارة لن تبور.
حديث
كنت في حديث مع د.عارف العباسي عن الرعاية المنزلية لكبار السن وقد عرفت منه وهو من أهل الاختصاص ان الاهتمام الدائم بالوالدين يساعد على بقائهما بصحة جيدة بعيدا عن الامراض كما ان الرعاية لا تأخذ وقتا طويلا أو جهدا كبيرا، فقط تحتاج لمتابعة وهذا لا يكون إلا باهتمام الابناء والحمد لله فقصص البر اكثر مما يتصور احد وقد سمعت بأذني عشرات القصص وقد اتصلت بي امرأة كبيرة في السن واخذت تبكي فقلت في نفسي مسكينة لا شك انها تبكي من العقوق وبشاعة الجحود حتى فاجأتني قائلة ابكي من شدة بر ابنتي ولو كان المقام يسمح لأكملت الحديث ولكني اعود فأقول رعاية الكبار وراءها أجر كبير.